نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / الهكسوس.. أشهر أعداء مصر

الهكسوس.. أشهر أعداء مصر

زاهي حواس
زاهي حواس

زاهي حواس

دخل الهكسوس مصر، واستوطنوا في الدلتا، وقد عُرفوا في المصادر التاريخية باسم الهكسوس.. تحريفًا من الاسم المصري القديم «حقاو خاسوت» أي حكام البلاد الأجنبية. ويبدو أنهم لم يكونوا شعباً واحداً.. وإنما عدة شعوب أو قبائل مختلفة. وكان المصري القديم يطلق عليهم اسم «عامو» – بمعنى البدو الآسيويين – وأحياناً كان المصري القديم يزيد في وصفهم بقوله «عامو حر يوشع» بمعنى البدو الذين يعيشون فوق الرمال. ولم يُعرف في التاريخ المصري القديم.. قومٌ كرههم المصريون القدماء، مثل الهكسوس.. الذين اعتبرهم أجدادنا العظام سبباً في خراب البلاد، وانقسامها واندلاع الحروب بها، وخراب معابدها ومقابر الأسلاف.. التي نُهبت، لذلك نعتهم المصريون بـ «الطاعون» وبـ «الوباء».

لقد ظن البعض أن الهكسوس.. سلالة من جذور أوروبية، استوطنت بلاد النهرين. أو أنهم قبائل سامية قدمت من شبه الجزيرة العربية. وقد حاول المؤرخ اليهودي يوسيفوس تصوير الهكسوس بأنهم أجداد بني إسرائيل، وقال إنهم (من وجة نظره) قدموا إلى مصر من فلسطين، وأنهم كانوا قبائل مستقرة هناك.. قبل مجيئهم إلى مصر، حاملين معهم عاداتهم وثقافاتهم.

ويعتقد البعض أن الهكسوس قد غزوا مصر بالخيول والعربات الحربية، وأنهم كانت لهم إمبراطورية كبيرة، شغلت رقعة واسعة من آسيا. ودليلهم على ذلك تشابه حصونهم مع ما عُثر عليه بآسيا، إضافة إلى عناصر معمارية أخرى من وجهة نظرهم. والحقيقة أن تلك الآراء لا تستند على أدلة علمية، وخاطئة تماماً! فلم يعرف الهكسوس العربات الحربية.. إلا بعد مجيئهم إلى مصر، وانقضاء فترة ليست قصيرة.. على إقامتهم بها، وربما عرفوها قبيل طردهم من مصر. وأعتقد أن هؤلاء الرعاة جاءوا من هضبة الأناضول.

ولقد أجمعت النصوص المصرية.. على أن الهكسوس قوم سوء، أساءوا إلى المصريين بأشكال عدة، وقد حكموا أجزاء من البلاد؛ مكونين ثلاث أسرات حاكمة.. حسب تقسيم الكاهن السمنودي مانيتون. وقد كونوا الأسرة الخامسة عشرة من ستة ملوك، بعدها الأسرة السادسة عشرة من اثنين وثلاثين ملكاً، وأخيراً الأسرة السابعة عشرة التي عاصرت الأسرة السابعة عشرة المصرية (الصعيدية) في طيبة، ووصل عدد ملوكها إلى 43 ملكاً هكسوسياً. وليس من سبيل إلى تأكيد أي من هذه الأرقام، حيث عمد المصريون القدماء إلى محو أي ذكر للهكسوس من تاريخهم.

ولقد اختلفت تقديرات العلماء.. بشأن عدد السنوات التي قضاها الهكسوس في مصر؛ فهناك من قال إنهم استمروا لـ 929 سنة، أو 511 سنة؛ حيث قدر العالم الإنجليزي فلندرز بتري عدد سنوات وجودهم بمصر بخمسة قرون! وهذه جميعها آراء مبالغ فيها، ولا تستند على حقيقة علمية؛ خاصة أن أقصى التقديرات لمدة وجود الهكسوس بمصر لا تتجاوز 150 سنة.

حاول ملوك الهكسوس.. تقليد ملوك مصر في ملبسهم وألقابهم، وكذلك التقاليد الملكية الأصيلة، وتعلموا اللغة المصرية، وكذلك عبدوا الآلهة المصرية القديمة. ورغم كل هذا.. لم يتمكنوا من القضاء على الروح الوطنية في قلوب المصريين. بل على العكس، كانت تلك الروح تقوى وتزداد مع مرور السنين. ومن أشهر ملوك الهكسوس عدد حمل اسم «أبوفيس»، وقد عُثر على كثير من الآثار المحطمة التي تحمل أسماءهم، منها تماثيل وأحجار منقوشة وأسلحة، منها ذلك الخنجر المصنوع من البرونز.. الذي عُثر عليه بسقارة لشخص يُدعى عبدا، وكان ملكاً لآخر يسمى نسمان، وكلها أسماء سامية.

ومن أشهر ملوك الهكسوس.. ملك يسمى «جفان» حمل لقب حقا «خاسوت» أي حاكم البلاد الأجنبية، وقد انتشرت آثاره في مصر. وكانت بلاد كوش قد انفصلت عن مصر.. خلال عصر الهكسوس، الذين أقاموا معهم تحالفات وعلاقات تجارية ودبلوماسية متينة.. نكاية في مصر والمصريين. ولذلك يمكن القول إن مصر كانت منقسمة إلى ثلاث ممالك: الأولى في الشمال من الدلتا ومصر الوسطى حتى القوصية.. حكمها الهكسوس، وعاصمتها «أواريس». والثانية في الوسط.. بين القوصية شمالاً والفنتين بأسوان جنوباً ويحكمها ملوك مصريون، وعاصمتها «طيبة». والثالثة هي مملكة كوش.. التي تمتد من الفنتين جنوباً حتى نباتا في السودان. لقد عبدالهكسوس معبودهم «سوتخ» وهو أحد صور الإله المصري القديم «ست»، إله الصحراء ورمز الشر عند المصريين.
كان مركز حكم الهكسوس – كما قلنا – مدينة «أواريس».. بشرق الدلتا – في موضع تل الضبعة، ومنطقتي الختاعنة وقنطير حالياً – فرض الهكسوس الجزية على المصريين، وقد رضخ بعض من أمراء المقاطعات لمطالبهم؛ إما اتقاء لحرب غير متكافئة، أو رغبة في أن يتركهم الهكسوس.. ينعمون بحكم ذاتي في مقاطعاتهم؟

ظل هذا هو الحال خلال الأسرتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة. بعد ذلك بدأ أمراء الصعيد يشعرون بقوتهم، وكان أكثرهم نفوذاً أمراء طيبة.. الذين عقدوا تحالفات مع جيرانهم، وأخذوا يتوسعون.. في حين كان عدوهم الهكسوسي يزداد ضعفاً. فما لبثوا أن أعلنوا أنفسهم ملوكاً في طيبة، وورثة شرعيين لحكم مصر، ومن هنا انطلقت شرارة الحرب ضد العدو الهكسوسي المحتل. كانت البداية على يد الملك سقننرع ومن بعده ولديه كامس وأحمس.

تصف بردية سالييه – من الأسرة 19 – واحدة من مراحل الصراع بين سقننرع وملك الهكسوس أبوفيس، الذي بدأ في التفكير لإيجاد حجة أو ذريعة.. للتحريض ضد سقننرع؛ فاجتمع بمعاونيه ومستشاريه وقادة جيوشه، وعرض الأمر عليهم، وفي نهاية الأمر.. قام بإرسال رسالة غريبة يطلب فيها من الملك سقننرع التوقف عن صيد أفراس النهر ببحيرات طيبة، لأن أصوات صراخها تمنعه النوم! وربما كان مضمون الرسالة.. هو أن يتوقف سقننرع عن بناء قواته من الثوار، أو أنه يطلب من المصريين فعلاً التوقف عن صيد أفراس النهر.. التي هي إحدى صور معبودهم سوتخ!

المهم أن الملك سقننرع.. أكرم وفادة رسل أبوفيس، وأرسل له رداً يُظهر رغبته في السلام. بعدها اجتمع الملك بمستشاريه.. ويبدو أنه كان هناك انقسام بين مؤيديين للحرب ضد الهكسوس ومعارضين لها. لكن الحرب وقعت، ووقع الملك سقننرع شهيداً في المعركة، ليكون أول شهيد مصري في معركة التحرير. وتُظهر مومياء الشهيد سقننرع.. الطريقة التي مات بها في أرض المعركة، حيث أصابت رأسة خمس ضربات ببلطة هكسوسية، وكان الملك قد بلغ الخامسة والثلاثين من عمره، واستطاع قواده إعادة جثمانه إلى طيبة، ليحنط وتقام له مراسم دفن.. باعتباره ملكاً مصرياً. وتشير مومياء سقننرع إلى تمتعه ببنية قوية، حيث كان يصل طوله إلى 182 سنتيمترا، وكان عريض الكتفين.

خلف كامس أبيه سقننرع على العرش، وسار على نهج أبيه، ونجح بالفعل في استعادة ما سلبه الهكسوس من أراضٍ.. في معركتهم مع أبيه، بل تقدم بحدوده إلى الشمال بضعة كيلومترات، وهزم حكام الهكسوس في مصر الوسطى، وقطع طريق المؤن التي كانت ترسل للهكسوس، واستولى على 300 مركب محملة بالأخشاب والمواد الغذائية. وبالفعل استشعر الهكسوس خطر الملك الشاب، فاتصلوا بحليفهم ملك كوش في الجنوب.. يحثونه على الانقضاض على طيبة من الجنوب، في نفس وقت انقضاضهم عليها من الشمال، وبالتالي يكون كامس وجيشه محاصراً من الشمال والجنوب. غير أن رسالة الهكسوس وقعت في قبضة المصريين.. قبل وصولها إلى ملك كوش، وتم القبض على الرسل.

ولكن لا نعرف على وجه اليقين.. النهاية التي آل إليها كامس، وهل مات في معركة مع الهكسوس، أم مات فجأة ودُفن بالبر الغربي بالأقصر.. قبل أن يُنقل تابوته فيما بعد إلى مقبرة بدراع أبوالنجا.

تولى الملك الشاب أحمس عرش أبيه سقننرع.. خلفاً لأخيه، ولم يكن قد بلغ السابعة عشرة من عمره، لكنه استمر في كفاحه ضد الهكسوس، وقام بإعداد جيش وأسطول مصري قوي. وعندما أظهر شجاعة في المناوشات مع الأعداء.. التف حوله القادة الذين حاربوا مع أبيه وأخيه، وحقق أحمس النصر على الهكسوس في عدة معارك، حتى وصل إلى عاصمتهم «أواريس»، وبدأ جيشه يتقدم، حتى نجح في النهاية في تحرير كامل الأراضي المصرية في الشمال الشرقي، وطرد الهكسوس خارج الحدود المصرية، وبعدها استعاد أحمس الحدود المصرية الجنوبية كذلك.. من قبضة الكوشيين؛ موحداً مصر من جديد، ومعلناً بداية الأسرة الثامنة عشرة والدولة الحديثة، التي يطلق عليها عصر بناء الإمبراطورية المصرية، والعصر الذهبي لمصر.

رغم التجربة المريرة – التي مر بها المصريون خلال فترة الاحتلال الهكسوسي – إلا أنهم استفادوا كثيراً، ووعوا دروس ذلك العصر، واستطاعوا بناء أقوى وأعظم إمبراطورية عرفها التاريخ الإنساني.. عن طريق العلم والنظام. ولا تزال آثار ملوك مصر العظام شاهدة على ما حققوه، بعدما استعادوا بلادهم من أيدي أعدائهم.

نقلاً عن «المصري اليوم»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.