نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / اعترافات ومراجعات (6) (صيدلية السعادة)

اعترافات ومراجعات (6) (صيدلية السعادة)

مصطفى الفقي
مصطفى الفقي

مصطفى الفقي

 تعلمت من عملي – قريباً من الحكام.. في فترات مختلفة – أن غضبة السلطان شديدة وموجعة. وأتذكر أنني تعرضت لواحدة من الأزمات النفسية الشديدة في عام 2004، عندما استدعاني الأستاذ الدكتور فتحي سرور – رئيس مجلس الشعب – وأنا رئيس للجنة العلاقات الخارجية فيه، وقال لي إنه قد عُرض على الرئيس مبارك.. دعوة لرئيس مجلس الشعب المصري لزيارة إسرائيل، في الاحتفال بالعيد الخامس والعشرين لتوقيع اتفاقية السلام، وأن الرئيس قد أشار إلى أن الدكتور الفقي – رئيس لجنة العلاقات الخارجية – هو الذي يذهب، ولا داعي لذهاب رئيس البرلمان المصري، رغم أنه قد قيل في الدعوة إن ممثل مصر سوف يجلس إلى جانب شارون – رئيس الحكومة الإسرائيلية – على منصة قاعة الكنيست، كاحتفال رمزي بالسلام مع مصر.. كأول دولة عربية توقع اتفاقية مع إسرائيل.

وأعترف أنني قد شعرت بشيء من الضيق والقلق، ولكنني مؤمن بأن الزيارة في حد ذاتها ليست خطيئة، لكن المهم هو مضمون ما تحتويه الزيارة.. من أحداث ومواقف، لذلك قبلت الدعوة، ولكن كان رد الجانب الإسرائيلي أنه لا أحاديث داخل الكنيست، وأن المندوب المصري يستطيع أن يقول ما يشاء في مؤتمر صحفي بعد ذلك، وقد يكون من الأفضل أن يعقده في بلاده.. وهنا شعرت بأن حُسن النية غير متوفر، وأن النتيجة سوف تكون حرق اسمي عربياً دون عائد، وأن مشاعري القومية سوف تحول دون قدرتي على الاستجابة لتلك الدعوة المشروطة، وأبلغت الدكتور سرور بذلك، حيث كان في زيارة لإثيوبيا في ذلك اليوم، وعندما عرض أمر رفضي على الرئيس مبارك، استشاط الرئيس الراحل غضباً، حتى إن الدكتور سرور قال أمام أعضاء الوفد المرافق له، ومنهم وزير أعتز كثيراً بصداقتي له: «إن الفقي لن تقوم له قائمة بعد اليوم».

ولما كانت لديَّ آلام دائمة في الركبة، فقد قررت الذهاب لاستشارة طبيبي في مدينة جنيف، وعندما علم المسؤولون في الرئاسة بذلك.. ازدادوا غضباً، وتلقيت مكالمات تمزج بين الوعد والوعيد، ولكني تعللت بظروفي الصحية.. وقررت ألا أذهب.

قلت إنني لا يمكن أن أزور إسرائيل مرة وحيدة في حياتي.. دون أن أسجل موقفي القومي، وهو معتدل بالضرورة، ولكنه متمسك بثوابت القضية الفلسطينية حتى النهاية. وتم تكليف الأستاذ الدكتور عبدالأحد جمال الدين – رحمه الله – بالمهمة، فقبلها، وقد كان رجلاً طيباً ..لا يقل وطنية عن كل من يستنكر معاناة الشعب الفلسطيني، والمماطلة في إعطائه حقوقه، والعبث بالشرعية الدولية.

وانتهى الأمر باغتيال إسرائيل للشيخ أحمد ياسين، مؤسس وزعيم حركة حماس.. وبعدها بأيام قليلة جرى اغتيال عبدالعزيز الرنتيسي الذي خلفَ ياسين في رئاسة الحركة، وقرر الرئيس مبارك عدم المشاركة في الاحتفال الإسرائيلي، بسبب التصرفات الاستفزازية من جانبهم في ذلك الوقت.

ولكن الرواية لم تتم فصولاً، فقد أرسلت مقالي الأسبوعي إلى «الأهرام».. فلم يتم نشره، كما توقف التليفزيون المصري تماماً.. عن التعامل معي، وأدركت أن غضب السلطان يحتاج إلى وقت من الصبر ونَفَس طويل، وركنت إلى الهدوء، لكنني – نتيجة القلق والضيق – بدأت أشعر حينذاك بأعراض نفسية معقدة، كان تشخيص الأطباء لها.. أنها حالة اكتئاب حاد، وبدأت من يومها أتعاطى أدوية ضد ذلك الاكتئاب، وما زلت أتناول بعضًا منها حتى الآن.

ولقد ظل الأمر على ذلك عدة شهور، وحاول الأستاذ أسامة سرايا – رئيس تحرير الأهرام آنذاك – التوسط لدى الرئيس بشأن كتابتي في «الأهرام».. ولكن الأمر استمر عاماً كاملاً، إلى أن اتصل بي زميلي الراحل اللواء أبوالوفا رشوان – سكرتير الرئيس – وكان يتحدث من شرم الشيخ.

… قال لي: «إن الرئيس قد سأل اليوم.. ألم يتصل بكم مصطفى الفقي في الشهور الأخيرة؟ فقلت له: لا». واقترح عليَّ زميلي الراحل.. أن أتصل بالرئيس لأنه مهيأ لذلك، وبالفعل اتصلت باستراحة الرئيس في شرم الشيخ، وطلبت الحديث إليه، وما هي إلا دقائق قليلة حتى جاءني صوت الرئيس قائلاً: يا مصطفى، استجبت إلى تحذيرات عادل حمودة ومصطفى بكري.. وخشيت الذهاب، فقلت له: لا يا سيدي الرئيس، ولكنني وجدت أن المهمة غير مجدية، ومع حديثه شعرت بارتياح، وأضاف مازحاً: أما قصة ركبتك وآلامها فهي قديمة!

وعادت المياه إلى مجاريها، فقد كان الرئيس الراحل واسع الصدر.. ولا يرضى بالخصومة الطويلة.

ومنذ ذلك الوقت، بدأت أعيش على أقراص الدكتور أحمد عكاشة.. التي نحصل عليها من صيدلية السعادة!

نقلاً عن «المصري اليوم»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.