نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / ذكريات ريفية (1).. واقعة الخواجة

ذكريات ريفية (1).. واقعة الخواجة

أحمد الجمال
أحمد الجمال

أحمد الجمال

مع «الزندة».. لا بأس من الانعطافة الدورية للذكريات الريفية، حيث كنا – مع أهلنا في ريف شمال الغربية – نسمي شدة حرارة الجو مع ارتفاع الرطوبة «زندة»، وهي فصيحة من الفعل زند، حيث «زند النار» أشعلها من عود ثقاب، و«زند نار الحرب» أثارها، و«زند الإناء» ملأه بالماء، والزندة أيضاً هي «الكبسولة» أو الحافظة الصغيرة.. الحاوية لمادة تشتعل وتتفجر توضع في القذيفة، وكانوا يربطون بين الزندة وبين مقدم الفيضان وارتفاعه، فيقولون «زندة النيل» أي امتلاء النهر بالماء الأحمر.. وكأنه متوهج.

وتستمر الزندة حتى حصاد الأرز وجني القطن، وقد جنيته والتهب جلد قفاي من شدة الحرارة، وأدميت ساقاي جراء خرابيش «قوقع» لوز القطن الجاف.. الذي تفتح وظهرت منه زهرة القطن الأبيض، واحتدت أطراف القواقع كمخالب حادة.

 

وكان انحناؤنا بين خطوط القطن يستمر حتى ينتهي جني المحصول وما بعده؛ لأن نتفاً من القطن الأبيض تبقى عالقة في القوقعة التي ننطقها بقلب القاف جيماً قاهرية «جوجعة»، ونذهب لما سُمي «تصييف».. لنجمع عدة أرطال (جمع رطل) من تلك النتف، ونعود بها لأمهاتنا.. ليراكمنها حتى مجيء الجائلين من قرى أخرى، يشترون الموجود.. ليكون قطن تنجيد «سكيرتو»؛ متعدد درجات الجودة بين درجة «العفريتة» ودرجة «السكينة»، وهو لا يصلح للحلج، ومن ثم لا يصلح للغزل.

 

ولأن الشيء بالشيء يُذكر، حدث ذات سنة أن ضربت الآفات المحصول وأتلفت القطن (الزهر الأبيض) إلا ما ندر.

وجاء الأمر من الكبار بتخزين القطن في المخزن الكبير، ووضع التالف الرديء في مؤخرة المخزن، ووضع السليم ناصع البياض في المقدمة، وجاء التاجر الخواجة اليوناني وعاين المخزن، وحدد السعر على ضوء العينة التي في الواجهة. ومن شدة الإلحاح من جانبنا على إتمام الصفقة ودفع العربون، شك الخواجة، وأمر مساعده بأن يقفز على الواجهة، ويزحف إلى خلفية المخزن.. ليحضر عينة منها، فإذا بالعينة لا تصلح إلا للسكيرتو، فغضب.

وأراد الكبار أن يطيبوا خاطره، فأمروا بوجبة بط وإوَز وحمام ورقاق مسقسق، ونهضت الجدة ومعها السلايف (زوجات الأبناء) لإعداد المطلوب، وكانت المشكلة أن الرقاق الموجود لا يكفي لملء الأنجر الكبير، وتفتق ذهنها عن حيلة لستر الحال، فأمرت بأن يوضع عيش عادي أسفل الأنجر، ثم يُرص الرقاق فوقه وتُصب الشوربة والسمن.. لتخفي العوار، وحمل الشباب الصينية الكبيرة وعليها الرقاق والزفر والسلطة والشوربة، ودُعي الخواجة للأكل. ولأنه خواجة فقد ضرب الملعقة أمامه مباشرة وصار يأكل نازلاً بشكل رأسي حتى لا يجور على الأجزاء التي أمام الآخرين، ووصلت الملعقة إلى قرب قاع الأنجر ورفعها الخواجة.. الذي فوجئ بتغير الطعم، ونظر لما في الملعقة وصاح «حتى الفتة فيها سكيرتو.. يا كفرة»!

 

وكانت الزندة تستمر لما بعد انتهاء تدفق مياه الفيضان – قبل السد العالي – ويباع القطن ليأتي موعد قمة الزقططة رغم شدة الشحططة.

والزقططة كلمة مصرية قديمة.. تعني الابتهاج بشدة، بقيت تستخدم بكثافة إلى عهد قريب، وأظنها ما زالت تجري على ألسنة كبار السن.. أما الشحططة فهي عربية فصيحة من شحط؛ التي لها معانٍ عديدة، منها الإبعاد والاضطراب والتخبط، ونفاد الطاقة والمغالاة في المساومة، وإشعال النار من الثقاب!

وكنا – صبياناً وبنات – نعيش حالة زقططة.. تحول بيننا وبين النوم ليلة أن نتوجه صباحاً لشراء الكسوة السنوية.. مع الوفد الكبير الذي يضم سيدي «جدي» الحاج محمد، وستي «جدتي» الحاجة حليمة، واثنين من الأعمام، وعمتي الوحيدة، وأمي.. دون بقية السلايف – جمع سِلفة، وهن زوجات الأشقاء الذين يعيشون في الدار الكبيرة – والسر هو أن الوالدة تقرأ وتكتب وتحفظ مقاسات القماش.. اللازم لملابس ثمانية رجال وتسع نساء، وحوالي أربعين حفيداً وحفيدة من الصبيان والبنات.

ويتحرك الموكب من الدار.. يتقدمه الجد والجدة راكبين ركوبتين من إناث الحمير، والباقي مشاة.. وللحديث بقية.

 

نقلاً عن «المصري اليوم»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.