نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / التعليم والثقافة والتنمية.. نظرة أخرى

التعليم والثقافة والتنمية.. نظرة أخرى

نبيل عبدالفتاح
نبيل عبدالفتاح

من الشيِّق.. ملاحظة أن التعدد في الأنظمة التعليمية في عالمنا العربي – بين التعليم الديني والتعليم المدني، وبين الخاص والعام – يؤدي إلى تزايد الانقسامات الاجتماعية، والطبقية. ولا يساعد على بناء الموحدات الوطنية، والجوامع المشتركة بين المواطنين.. من الأجيال الصغيرة والشابة، التي تشكل مستقبل بلداننا من المحيط إلى الخليج!

صحيح أن الجميع يجأر بالشكوى – في الإعلام المرئي، والصحف والمجلات، ووسائل التواصل الاجتماعي – من تراجع نوعية ومستويات التعليم، وتفاقم أزماته المختلفة، وبات بعضهم يقارن بين التعليم.. تحت الاحتلال الأجنبي، وبين التعليم.. ما بعد الاستقلال، لصالح مزايا الأول، إلا أن ذلك كان تعليم القلة من الأسر والعائلات والعشائر.. ذات الحظوة والنفوذ والمكانة الاجتماعية، لصالح الاستعانة بأبنائهم في أجهزة الإدارة المباشرة الفرنسية، أو غير المباشرة البريطانية ـ مصر مثالًا – قبل الاستقلال الوطني الشكلي. 

إلا أن البعض الآخر – من نقاد السياسات التعليمية ومخرجاتها الراهنة – يقارن بين تراجع النظم التعليمية؛ من حيث المدخلات والمخرجات للأنظمة التعليمية، وبين السياسات التي سادت مع الدولة الوطنية، ويرى أنها كانت الأفضل؛ خاصة في مصر، والمغرب، وتونس، والجزائر، والسودان، والعراق، وسوريا، ولبنان.

الشكوى الدائمة.. من نوعية التعليم، وعدم تكامله مع أسواق العمل – الداخلية والإقليمية – مرجعها أن التعليم في العالم العربي.. لم يواكب التغيرات العالمية في التكنولوجيا، والثورتين الصناعيتين الثالثة والرابعة، وأيضاً اتساع قاعدة الكليات النظرية.. في العلوم الاجتماعية – التربية والحقوق والآداب والفنون.. إلخ – بما لا تحتاجه أسواق العمل المتغيرة، ومتطلباتها.. من التكوين والخبرات العلمية والتعليمية، ومن ثم عدم تكيف النظم التعليمية مع التطورات في التقنية، والعلوم الطبيعية والرقمية، وضعف إعداد المتخصصين الأكفاء في هذه التخصصات المختلفة، لصالح تضخم أعداد خريجين لا يجدون فرص عمل متاحة في الأسواق، وفي أجهزة الدولة البيروقراطية المتضخمة.. وغير الكفء من خريجي الكليات النظرية، وتدهور العمليات التعليمية والتكوينية لطلابها، وخريجيها، مع انفجار الجامعات الإقليمية الحكومية، أو الجامعات الخاصة التي انتشرت بطول العالم العربي وعرضه.

العمل على الارتقاء بالسياسات التعليمية – في الجامعات والمعاهد العليا والتعليم العام والخاص والديني – يحتاج إلى دراسات حول الحالات المقارنة.. للدول التي تطورت فيها الجامعات والمدارس العامة والخاصة – خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، ثم تجارب الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية والهند وماليزيا وتركيا – من خلال دراسة سياساتها التعليمية، ومناهجها ومخرجاتها، وعلاقاتها بالتطور في مراكز البحث العلمي والتكنولوجي.

فى الحالات العربية، لا بد من ربط السياسات التعليمية والسياسات الثقافية، وذلك من خلال دمج الثقافة وعناصرها في المناهج التعليمية، وإعادة تدريب المعلمين والمعلمات وتأهيلهم، واستبعاد العناصر غير الكفؤة، وغير القابلة للتطوير.. في مناهج التعليم المختلفة، لوظائف أخرى خارج النظام التعليمي. وتحتاج مناهج الدراسات الجامعية المختلفة.. إلى تقرير وطني في كل بلد عربي، يجريه بعض ثقات الباحثين.. لبيان وضعية هذه المناهج، ومدى كفاءتها، وارتباطها بالتطورات العالمية في مجال تخصصاتها المختلفة؛ والأهم مدى قدرتها على الوفاء بمتطلبات أسواق العمل الحالية، والأهم المستقبلية، للتقليل من معدلات البطالة.

ومن أهم القضايا، ضرورة إعادة هيكلة النظام التعليمي الجامعي والعام والديني، لصالح السياسات التنموية والاجتماعية والعامة، وقطاعاتها التي تدور حول الثورة الصناعية الرابعة. الأهم أيضا، محاولة ردم الفجوات بين التعليم الخارجي والرسمي، من خلال المناهج المقررة، والأهم ثالثا، العناية القصوى بتعليم جميع الطلاب.. في جميع المراحل التعليمية والجامعية باللغة العربية، لوقف تدهورها على مستوى إتقان الطلاب لها، لأنها حاملة للهويات الوطنية المتعددة.. عربياً وداخلياً، ووقف عمليات تعليم المواد المقررة.. باللهجات المحلية، واللغة العامية.. من المدرسين والمدرسات، لخطورة ذلك على الهوية الجامعة.. لكل مكونات المجتمع الأساسية على تعددها.

اللغة العربية الجميلة.. حامل من حوامل الهوية الوطنية الأساسية، ولا يعني ذلك إهمال تعلم الصينية، اللغة الصاعدة في السوق اللغوية الكونية، والتي ستسود عالمنا ما بين 2050 إلى نهاية القرن في أقصى تقدير لخبراء اللغات عالمياً! وأيضاً اللغة الإنجليزية، وغيرهما من اللغات الكبرى في عالمنا.

لا شك في أن تعدد اللغات.. عامل إثراء إذا تم بجدية، والانفتاح على ثقافات هذه اللغات؛ وغيرها كجسر بين ثقافاتنا العربية، والثقافات المختلفة في عالمنا. ويفتح فرص عمل داخلية، وإقليمية ودولية مع ارتفاع جودة وعمق التعليم في البلدان العربية.

ولا شك في أن التكامل بين سياسات الثقافة العربية، وسياسات التعليم.. سيؤدي إلى تفجير منابع الإبداع، والفكر النقدي الخلاق.. الذي يسهم في دفع سياسات التنمية، ويؤدي إلى تنشيط عمليات إنتاج القيم المشتركة.. العابرة للتكوينات (العرقية واللغوية والقومية والدينية والمذهبية)، أي بناء الموحدات الوطنية.. عبر التفاعلات بين هذه المكونات.. في إطار التعليم العام والجامعي والديني ـ في إطار تعدده ـ ويسهم العقل النقدي الحر للطلاب.. في مواجهة الأفكار المتطرفة؛ أياً كانت مصادرها، دينية أو وضعية أو مذهبية، من خلال النزعة النقدية، التي يجب أن تكرسها مناهج التعليم الممزوجة بالمكون الثقافي.

الثقافة الوطنية – في إطار التعليم ومناهجه – ستشكل الوحدة الوطنية.. في كل بلد انقسامي في إطار تكامل مكوناته المتعدده، وتنوعه ووحدته في غالب البلدان العربية، باستثناء مصر والمغرب.

ولا شك في أن إصلاح وتطوير النظم التعليمية.. سيؤدي إلى إيجاد أشكال جديدة من التفاعلات بين الطلاب ووسطهم الاجتماعي، وبيئاتهم الثقافية.. داخل كل مكون، وبين كل هذه المكونات بعضها بعضاً. الأهم، أن تدريس تاريخ العرب والعالم.. في حيدة ونزاهة وموضوعية، من خلال المناهج التاريخية الجديدة، والتاريخ من أسفل، والتاريخ الشفاهي، سيعزز من النظرة التاريخية الوطنية الموضوعية، دونما تحيزات لزعامات تاريخية وأخرى منسية، ويقلل من تدريس التاريخ السلطوي.. الذي ارتبط بالزعامات السياسية المختلفة، قبل وبعد بناء الدولة الوطنية.

ولا شك في أن تعليم التاريخ.. على نحو موضوعي ونزيه، سيسهم في تشكيل الهوية الوطنية.. مع اللغة العربية، وأيضاً في إبراز التنوع.. داخل مسارات تاريخ كل بلد عربي. 

هذه المداخل الإصلاحية للتعليم.. ليست نظرية، وإنما هي محرك من محركات التنمية المتعثرة عربياً، وستسهم في إعادة روح الانتماء الوطني داخل هذه البلدان العربية – وسط الأطفال والصبية والشباب – واستعادة روح الانتماء الوطني في أفق إنسانوي. 

هذا هو طريقنا إلى الحركة.. لمواجهة تحديات الثورة الصناعية الرابعة، والتحول إلى طرف فاعل.. في بناء عالم جديد ومختلف. 

هيا إلى الإصلاح والعمل عربياً، ومن هنا نبدأ!

نقلاً عن «الأهرام».

 

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الثانية من قناة السويس بعد اقتحامهم «خط بارليف» 1973 (الهيئة المصرية العامة للاستعلامات)

مكتب الدفاع المصري بلندن يحتفل باليوبيل الذهبي لانتصارات أكتوبر

مكتب الدفاع المصري بلندن ينظم مساء غد الإثنين الثاني من أكتوبر ، إحتفالا رسمياً بمناسبة الذكرى الخمسين لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة.

تراجع سعر الذهب.. وعيار 21 يسجل 2175 جنيهًا

انخفض الذهب في مصر قرابة 20 جنيها منذ أمس الجمعة، على خلفية انخفاض سعر الذهب …