نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / أسطورة سيزيف

أسطورة سيزيف

جمال فهمي
جمال فهمي

لست أعرف بالضبط.. سر انشغالي هذه الأيام.. بواحدة من أشهر الأساطير اليونانية القديمة؛  هي أسطورة – أو مأساة – ذلك الرجل المدعو «سيزيف»، التي بدأت (كما تقول الأسطورة)، بعدما اعتبره الآلهة سكان جبل الأولمب.. متمرداً، يشق عصا طاعتهم؛ ومن ثم حكموا عليه بعقاب لا يفوق قسوته.. إلا عبثيته؛ إذا قضى الحكم بأن يُفني سيزيف عمره كله، وهو يجاهد لكي يرفع حجراً ثقيلاً إلى قمة أحد الجبال، فكان الرجل.. كلما وصل بحجره القدَري إلى قرب القمة، عاد الحجر.. وتدحرج هابطاً إلى السفح مرة أخرى، فيعود سيزيف للجهاد العدمي نفسه، وهكذا بغير نهاية.

 

أسطورة – أو مأساة – سيزيف هذه، وصلتنا روايتها بتفاصيل مختلفة، خصوصاً في ما يخص سبب غضب الآلهة على الرجل، غير أن كل الروايات اتفقت جميعاً.. على طبيعة العقاب العابث، الذي عوقب به بطلها. كما أن هذه العبثية، ألهمت عدداً كبيراً من المبدعين والمفكرين والفلاسفة.. لإنجاز نصوص أثرت التراث الفكري الإنساني، لا سيما بعد الثورة الصناعية، وانبثاق الحضارة الغربية، وما رافق صعودها.. من أعراض وظواهر وتغيرات نوعية؛ لعل أخطرها وأشدها أذى.. ظاهرة الاستعمار والهيمنة، وتعميم الظلم والاستغلال، وفرض التأخر بالقوة على باقي مجتمعات وشعوب كوكب الأرض.

 

هذه التغيرات والظواهر – التي عصفت بالمجتمع  الإنساني – أحدثت (خصوصاً في بلدان الغرب).. صدمات ضميرية قوية، وشعوراً مبهماً – وشبه جمعي بالتعاسة – أفضى بدوره.. في أوساط قطاع واسع من المبدعين والمفكرين، إلى شيوع اللجوء للأساطير القديمة، وإعادة صوغها.. بحيث تناسب مآسي العصر، وعبثية الظلامات التي تواكبه. 

من أنبه هؤلاء المبدعين.. المفكر والأديب الفرنسي ذائع الصيت ألبير كامو (1913 ـ 1960)، فقد قدم – في واحد من أهم كتبه «أسطورة سيزيف» – على نحو بدا.. فلسفة عميقة، أكثر من كونه إبداعاً أدبياً، إذ اعتبر جهاد سيزيف العبثي – وهو يرفع صخرته الثقيلة، ثم يعاود رفعها إلى ما لا نهاية – صورة تختصر عبثية حياة البشر، والمعاناة المجانية التي يكابدونها.. بغير أمل في خلاص قريب، أو بلا أمل في أي خلاص.

غير أن «كامو»، تعمّد أن يرسم صورة سيزيف.. في اللحظات التي كان يتابع فيها حجره، وهو ينزلق عائداً إلى السفح.. مرتدياً ملامح البطولة والإصرار، وليس ملامح القنوط واليأس؛ بدليل أنه كان يبدأ من جديد.. مشوار الصعود بالحجر. 

يقول كامو: «كان سيزيف في هذه اللحظات.. أقوى من الآلهة، التي تعذبه وتعاقبه.. بهذه العقوبة القاسية العبثية».

 

وبعد.. أشعر أنني أثقلت على القارئ الكريم ، والآن أعود إلى ما بدأت به هذه السطور، إذ قلت إنني «لا أعرف بالضبط».. سبب أن أسطورة سيزيف، تلح وتسكن في رأسي هذه الأيام، لكني أرجّح أن السبب المباشر، هو وقوع بصري على كتاب ألبير كامو.. بينما كنت أرصص تلال الكتب التي في مكتبتي؛ فقد تصفحت هذا الكتاب بشغف، وكدت أغوص في صفحاته.. التي عشت معها مستمتعاً قبل سنوات، لولا أن ضغط الوقت، وزحام الكتب.. منعاني من السير في هذه الغواية حتى النهاية، فاكتفيت بالتقاط سطر من هنا، وكلمة من هناك، ثم وضعته بحرص.. على رف كتب من جنسه، ومع ذلك يبدو أنني لم أستطع الإفلات من هاجس قديم، أثارته «أسطورة سيزيف» بالذات في نفسي. 

خلاصة هذا الهاجس، أن حال أمتنا العربية عموماً – ووطننا مصر خصوصاً – يشبه إلى حد التطابق حال البطل الأسطوري، وصخرته، التي لا تريد أن تستقر في القاع، ولا هي تبلغ القمة أبداً.

 

يعني، انظر حولك عزيزي القارئ، وستكتشف بسرعة.. كيف أن التاريخ الحديث لأمتنا العربية، ليس إلا وقائع جهاد وكفاح عسير، ومحاولات مضنية ومتكررة ومتفاوتة القوة.. للنهوض والتحرر من قيود التخلف والبؤس، والإمساك بأول طريق التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.. لكننا ما زلنا، مثل سيزيف، نجاهد أنفسنا، ونعيد المشاوير نفسها.. التي مشيناها من قبل، لعل وعسى.. نصل إلى القمة، ونستقر هناك.

 

نقلاً عن «الأخبار».

 

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الثانية من قناة السويس بعد اقتحامهم «خط بارليف» 1973 (الهيئة المصرية العامة للاستعلامات)

مكتب الدفاع المصري بلندن يحتفل باليوبيل الذهبي لانتصارات أكتوبر

مكتب الدفاع المصري بلندن ينظم مساء غد الإثنين الثاني من أكتوبر ، إحتفالا رسمياً بمناسبة الذكرى الخمسين لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة.

تراجع سعر الذهب.. وعيار 21 يسجل 2175 جنيهًا

انخفض الذهب في مصر قرابة 20 جنيها منذ أمس الجمعة، على خلفية انخفاض سعر الذهب …