نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / مقالات / دور فاعل للمصريين المقيمين في الخارج

دور فاعل للمصريين المقيمين في الخارج

جورج إسحق
جورج إسحق

إن المصريين في الخارج يمثلون ثروة وقيمة كبيرة، يجب الحفاظ عليها، واستثمارها في هذه الظروف الصعبة، التي تعاني فيها مصر.. من أزمة اقتصادية شديدة. يجب الاستعانة بالخبراء الحقيقيين.. الذين كان لهم دور في الخارج؛ خاصة بعد الخبر الصاعق.. الذي نزل علينا، وهو احتمال استبدال العمالة المصرية – وغيرها من العمالة الأجنبية – في الكويت بعمالة من أهل البلاد، فاحتمال رجوع هذه العمالة – أو بعضها – سيؤدي إلى انخفاض في العوائد، والأموال التي تحوَّل من الخارج. لذلك، وجب أن نسرع فى تحضير بدائل.. للاستفادة من المصريين المقيمين في الخارج. وليس الاعتماد فقط على المصريين في الدول العربية.

 

هناك أطباء ومهندسون وباحثون ورجال إدارة يتمنون أن يخدموا مصر بكل الطرق، ويشترطون ثلاثة شروط مهمة للإسهام: العدالة النزيهة والسريعة، إلى جانب الصحافة الحرة، وأخيراً الاستقرار السياسي. كما أن هناك خبيراً لا يستهان به – عندما كان رئيساً للجالية المصرية في باريس منذ عهد مبارك – يتحدث عن إتاحة الفرصة للاستثمار بقوانين جديدة، وكان لقاء الرئيس الأسبق مبارك بأعضاء الجالية المصرية ورجال الأعمال الفرنسيين الذين قالوا: «لما تبقوا جاهزين ستجدوننا مستعدين»، وبعد ثلاثين عاماً تكرر نفس الكلام للتعهد بحل أزمة المستثمرين.

في الأسبوع الماضي، توجه 20 مستثمراً من ضمن 46 ألف حالة بمحافظة البحيرة، مطالبين بعقود ملكية لأراضيهم التي استصلحوها وزرعوها وأنفقوا عليها، منهم من باع ميراثه في الدلتا ليغزو الصحراء، ومنهم من عاد بمدخرات سنوات الغربة، طوال 20 سنة المحافظة تقول لهم: «غداً.. بعد غد.. طب ادفعوا حق انتفاع مؤقت لحين إصدار العقود».. دفعوا وكل يوم يسألون: «فين عقد الملكية؟».. ولا مجيب! ذهبوا إلى هيئة مشروعات التعمير بوزارة الزراعة بالدقي، وفوجئوا بتطبيق القانون الغشيم والقرارات المتضاربة، وردوا عليهم بأن «اللي معاه عقد ملكية صادر من محافظة البحيرة يبله ويشرب ميته»، فهناك نزاع وخناقة قديمة بين المحافظة والوزارة.

يقول محمود عمارة، الخبير الاقتصادي، إن هذا البلد بسبب تشريعاته المتضاربة، لا مكان فيه ولا أمل للخلاقين المبتكرين أصحاب الرؤى أو الخيال، فهل بعد ذلك يحضر المصريون من الخارج ويستثمرون أموالهم؟!

انظروا حولنا.. حيث إثيوبيا تحقق نمواً بمعدل 12% في العام، وبوركينا فاسو تصدّر لنا 40 ألف طن قطن سنوياً، واكتفت ذاتياً من الحبوب. نريد شخصاً متخصصاً، وليس نمطياً، لتولي وزارة الهجرة.

يجب أن نعمل على استغلال هذا الكنز المفقود للمصريين في الخارج الذي يحوي رصيداً هائلاً من الخبرات والمعارف. ولو نظرنا في مؤتمرات «مصر تستطيع» كان يجب على الدولة أن تستفيد من هذه العقول بالخارج، لدمج خبراتهم وتجاربهم ضمن استراتيجية مصر للبنية المستدامة. نريد أن يستخدموا مدخراتهم للمساهمة في مشروعات تدر عائداً على الوطن وعلينا. ورأس المال البشري يجب أن يهتم بتقديس السلوكيات، والاهتمام بالعمل وتجريده، واحترام الوقت والبحث العلمي، والالتزام بالقانون ومعرفتهم بكيفية غزو الأسواق الخارجية، إلى جانب رأس المال الاجتماعي.

لو نظرنا في الأرقام، سنجد أن عدد المصريين بالخارج من 10 إلى 14 مليوناً، وهذا كنز لا نستفيد به.. منهم 1300 عالم في تخصصات نادرة نووية وجيولوجية إلى جانب النانو التكنولوجي، و450 عالماً في وظيفة رئيس جامعة نصفهم في كندا، فضلاً عن 65% من المقيمين بالدول الأوروبية حصلوا على شهادات ما بعد التعليم الجامعي، 15% منهم حصلوا على الدكتوراه.

ثم إننا لا نهتم إطلاقاً بأن 700 طبيب سنوياً يخرجون إلى بلاد أخرى للبحث عن موارد مالية أفضل، والمفقود في هذه الجهود عدم توافر خريطة واضحة للاستثمارات وعدم وجود العدالة الناجزة، وصحافة حرة وليست نمطية، إلى جانب الاستقرار السياسي.. بأن تقوم الدولة بفتح مجال الحريات والإفراج عن المحبوسين السياسيين.

هل نستطيع أن نقوم بهذا العمل؟ هل هناك في الأفق من يريد أن يشارك في هذا الأمر؟

ناهينا عن أن هناك مجموعة من الأطباء العلماء يريدون الحضور إلى مصر وتقديم خدمات للبلد، ولكن لم يهتم أحد.. يجب أن تكون هناك دراسة موثقة بعدد المصريين في الخارج وخبراتهم للاستفادة منهم.

وأنا أعتقد أنه لا يوجد مصري في الخارج لا يريد أن يساعد في بناء هذا الوطن بشرط وجود الثقة.. الثقة مفقودة الآن، فيجب أن نعزز فكرة الثقة واللقاء المثمر الفعال للمصريين في الخارج، وليس قعدات المصاطب التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

كل هذه العوامل المتاحة يجب استثمارها عن طريق متخصصين وليس هواة.. وزير من هؤلاء المصريين يكون قد عايش مشاكلهم ويعرف مواقعهم للبدء في الاستفادة من خبراتهم.

يجب أن توجه دعوة لكل من له أقارب في الخارج أن يرسل إليهم دعوة للحضور إلى مصر واستثمار أموالهم، وإن كان عالماً يضع علمه في خدمة هذا الوطن الذي يعاني من أزمة طاحنة، نرجو أن تمر على خير، وأن تحل مشاكلها – كما قلنا عدة مرات – بالعلم وليس بالفهلوة.

أتمنى لمصر كل ازدهار، وحل مشاكل الفقراء الذين يعانون هذه الأيام من مشاكل كثيرة، حتى ننطلق لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

* مسؤول الإعلام بالأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية عضو المجلس المصري لحقوق الإنسان.

نقلاً عن «الشروق»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

مصطفى الفقي

اعترافات ومراجعات (8).. «أحلام الشباب.. ذكريات لا تنسى»

اعترافات ومراجعات (8).. «أحلام الشباب.. ذكريات لا تنسى»

نبيل عبدالفتاح

الحياة الرقمية وثقافة التفاهة

الحياة الرقمية وثقافة التفاهة