نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / العالم العربي.. إقليم في مهب الريح

العالم العربي.. إقليم في مهب الريح

عمار علي حسن
عمار علي حسن

عمار علي حسن

 

قفز إلى رأسي – حين انتهيت من قراءة كتاب «أزمات وقضايا.. إقليم في المهب».. للدكتور محمد الرميحي – سؤال لا يكف عن الإلحاح لديَّ، وربما في رؤوس كثيرين منّا، هو: هل يمكن أن يفلت العرب.. من كل عوامل التعرية، التي أخذت تأكل الكثير من تماسكهم، وتضر مصالحهم الجوهرية، وتهز وضعهم الجغرافي، وتجرح تجربتهم التاريخية والسياسية والأمنية، أم أنها ستزيدهم انكشافًا؛ وهم يمضون في قابل السنين.. بلا استراتيجية، مُجرَّدين من أسباب المنعة والقوة، قابضين فقط على الحد الأدنى من التوافق، الذي صار أغلبه شكليًا، يستجيب لمسائل آنية، ونداءات عابرة؟

ابتداء، فنحن الجيل الذي تفتح وعيه.. على آخر النزعات العروبية، فحين التحقتُ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة.. في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كانت الأكاديمية المصرية قد تعافت تدريجيًا.. من ضغط السلطة عليها في قضية «العروبة»، التي جرحها الإعلام كثيرًا؛ وهو يحاول التخفيف من وطأة المقاطعة العربية لمصر، بعد إبرام السادات اتفاقية سلام مع إسرائيل عام 1979. ثم رأينا رؤيتها العميقة تتحقق.. بعودة العرب إلى مصر، ومصر إلى العرب، في قمة استضافَتها المملكة المغربية عام 1989.

وقبل الذهاب والإياب، والابتعاد والتقارب، كان أساتذتنا يُدرِّسون لنا مواد عن «النظم السياسية العربية» و«التنظيم الدولي».. الذى تقع الجامعة العربية ضمن مساقه، وتاريخ المنطقة، وجغرافيتها السياسية، والصراع العربي-الإسرائيلي. ولم يشعر أيٌ منّا.. بأن هناك قطيعة وجفاء، بل كان الكتاب الأشهر في كليتنا وقتها.. هو «النظام الإقليمي العربي» للدكتور على الدين هلال، والأستاذ جميل مطر، فأقبلنا عليه.. محمولين على أكف دراسات أولية تلقيناها؛ في مواد التاريخ والجغرافيا واللغة العربية، بالمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.. عن «الوطن العربي»، لكننا توقفنا عند العنوان: «النظام الإقليمي»، ولم نَدْرِ وقتها.. ما إن كان الهدف، هو تقديم وصف علمي.. للمنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي حتى الخليج العربي، أم هو تخفُّف من الشحنات العاطفية.. التي كانت تصاحب إطلاق لفظ «وطن» عليها، والتي حملها نشيد رددناه صغارًا.. «بلاد العُرب أوطاني.. وكل العُرب إخواني».

من دون شك، فإن د. الرميحي.. هو أحد البارزين من جيل سبقنا، تفتح وعيه على الفكرة القومية، مثله مثل هلال ومطر. ولما جئنا نحن، وجدنا أن كلمة «وطن عربي» باتت محل مساءلة؛ فلا أحد يمكنه تجاهل ما جرى أيام القطيعة مع مصر، ولا فشل الجامعة العربية في تحقيق الأهداف الكبرى.. التي نشأت من أجلها، ولا سياسة كل قطر عربي على حدة، التي تناقضت أحيانًا.. مع السياسة العربية العامة، ولايزال المواطنون العرب – أنفسهم – يتهكمون على لفظ «وطن».. هنا، ويتساءلون: كيف يكون وطنًا واحدًا، إن كان يتعذر على أبنائه أن ينتقلوا بين وحداته.. إلا بتأشيرة دخول؟! ومع الضعف الذي وصل إلى النخاع، لم يُصدم الجميع.. أن يتساءل نزار قباني في قصيدة شهيرة له.. عنوانها: «متى يعلنون وفاة العرب؟»

وبالنسبة للرميحي – الذي لايزال يكرس جزءًا من فكره وجهده.. لإصلاح النظام العربي – كانت لحظة اجتياح صدام حسين للكويت.. كاشفة لديه؛ لاسيما أن نظام البعث.. كان يتزعم «القومية العربية»، بعد رحيل جمال عبدالناصر.. والخصام مع مصر. وقد عبَّر الرميحي عن مرارته تلك.. في كتابيه: «سقوط الأوهام.. العروبة بعد غزو العراق للكويت»، و«أصداء حرب الكويت.. ردود الأفعال العربية على الغزو وما تلاه». وإلى جانب هذه التجربة الخاصة، فإن ما جرى للعالم العربي برمته، كان موضع استغراب واستهجان وانتقاد منه، سطّره في كتابه: «أولويات العرب.. قراءة في المعكوس».

وكتاب «أزمات وقضايا.. إقليم في المهب»، يأتي على هذا الدرب الطويل الوعر، وفيه يحلل الرميحي.. كيف تحول العالم العربي إلى «مجال حيوي» لثلاث استراتيجيات.. متنافسة ومتصارعة، تنطلق من إسرائيل وإيران وتركيا، بينما يقف العرب بلا أي استراتيجية، اللهم إلا بعض خطط عابرة، وسياسات لا تقف على قدمين راسختين؛ فهي ما إن تولد، وتلتقط أنفاس الحياة، حتى تتبدل أو تموت، بما جعل بعض الدول.. تتحول إلى فوضى عارمة، أضعفت النظام الإقليمي العربي أكثر وأكثر.

وهنا، يضع الرميحي يده على بيت الداء، حين ينحاز إلى تصور.. يُحمِّل الحكومات المستبدة المسؤولية الكبرى عن هذا الوضع المُترَدِّي؛ حيث حاربت شعبها المطالب بالتغيير، ويرى أن النتائج كانت أوخم.. في ظل الأنظمة الأكثر انغلاقًا.. وتقييدًا وتسلطًا؛ منطلقًا – في هذا الشأن – من معادلات الفيزياء، التي تبين أن الأشياء الصلبة تتفتت إلى قطع أصغر.. بمعدل أسرع مما تتفتت به الأشياء الرخوة أو المرنة، وأننا إذا نقلنا هذا الوضع إلى السياسة، نجد أن الدول التي تتخذ من المركزية.. المستندة إلى القمع، وسيلة للسيطرة على السلطة.. والبقاء فيها، أقرب إلى التفتُّت لحظة مواجهتها صدمة كبرى.

والاستنتاج الأخير.. ليس ببعيد عن الفكرة الجوهرية، التي بات يؤمن بها الرميحي، وهي «الحرية»؛ حيث تمتد لديه.. من إيمان بضرورة تحرّر كل فرد في التفكير والتعبير والتدبير، داخل كل دولة عربية على حدة، إلى ساحة الإيمان بحرية الشعب الفلسطيني.. وعدالة قضيته.

 

نقلا عن «المصري اليوم».

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.