نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / الأصل السماوي للموسيقى!

الأصل السماوي للموسيقى!

أحمد الجمال
أحمد الجمال

أحمد الجمال 

سألني السيد أحمد أبوالغيط – الأمين العام للجامعة العربية – بعد أن قرأ مقال الأسبوع الفائت: «لماذا الموسيقى، ولماذا محمد توفيق دياب؟»، فأجبت من فوري: توفيق دياب.. لأنني أعلم أثره الإيجابي في تكوين حفيده صلاح دياب، وقد أردت أن أخطب ودَّه.. لأشاغبه فيما بعد. وأما الموسيقى، فلأنني أذهب مع الذاهبين.. إلى أن موجة من انحطاط الذوق والأداء الموسيقيين.. تبدو عالية صاخبة، مما ينعكس سلباً على وجدان المجتمع، الذي لا تنقصه سلبيات!

وردّ السيد الأمين، بأنه هجر الموسيقى والغناء الشرقيين – أو المصريين – منذ زمن شبابه المبكر، إذ كان يرى والده وأصدقاءه يرتبون «القعدة» – بمستلزماتها – لسماع أم كلثوم، ووجد أن وقتاً طويلاً جداً.. يمر، فيما المطربة أو المطرب يكرر ويعيد.. ولا يزيد، والإيقاع بطيء ممل، ولذلك اتجه لسماع الموسيقى والغناء الغربيين.

واستمر الحوار، حيث ذهبت – من جانبي – إلى أن نمط ذوقنا مرتبط بالجغرافيا، أي بالنهر والزراعة، وتداخل الصحراء مع الأرض السوداء، وكلها تفرض نوعاً من الرتابة والانتظار؛ إذ الري بالغمر.. أو بآلات بطيئة؛ كالشادوف والطنبور والساقية، والتنقل على القدمين، أو على الدواب البطيئة.. كالحمار والجمل، ولعل «الحداء» – وهو غناء وإيقاع الصحراء – دليل إضافي على ما أذهب إليه.

وفيما أبحث عما أكتب هذا الأسبوع، تذكرت ناي جلال الدين الرومي. وتذكرت فترة أن كنت درويشاً صوفياً.. ترك الدراسة في الجامعة، وهام على وجهه، ينشد ما اعتقد أنه الحقيقة، وحضرات – جمع حضرة – الذكر.. التي كانت الموسيقى البسيطة تصاحب الإنشاد فيها، والتمايل إذا كانت الحضرة «حفنية«، وصعود القفص الصدري وهبوطه إذا كانت الحضرة «خَلَوَتِيَّة».. وهلمّ جرا. 

وعدت إلى »المثنوي» – الذي كتبه مولانا جلال الدين الرومي، الطبعة التي ترجمها وشرحها العلامة المصري إبراهيم الدسوقي شتا، ونشرها المركز القومي للترجمة – ففي أول بيت.. في أول جزء من الأجزاء الستة للمثنوي، يقول مولانا: استمع إلى هذا الناي يأخذ الشكاية، ومن الفرقات يمضي في الحكاية:/ منذ أن كان في الغاب اقتلاعي.. ضج الرجال والنساء في صوت التياعي../ أبتغى صدراً يمزقه الفراق.. كي أبث شرح آلام الاشتياق../ كل من يبقى بعيداً عن أصوله.. لايزال يروم أيام وصاله../ نائماً صرت على كل شهود.. وقريناً للشقي وللسعيد../ ظن كل امرئ أن صار رفيقي.. لكنه لم يبحث داخلي عن أسراري../ وليس سري ببعيد عن نُواحي.. لكن العين والأذن قد حرمتا هذا النور../ وليس الجسد مستوراً عن الروح.. ولا الروح مستوراً عن الجسد… 

إلى أن يقول: إن هذا الأنين نار وليس هواء.. كل من ليست لديه هذه النار.. ليكن هباء../ ونار العشق هي التي نشبت في الناي.. وغليان العشق هو سري في الخمر.. (والبقية في نظم مولانا طويلة). 

ثم يشرح العلامة شتا – شرحاً مفصلاً – أقتبس منه: «بهذين البيتين يبدأ مثنوي جلال الدين، ومن قائل إن هذه الافتتاحية للمثنوي.. هي خلاصة الأفكار التي ساقها مولانا في كتب المثنوي الستة.. ومن قائل إن المقصود بالناي.. هو الإنسان الكامل، ومن قائل إنه الروح القدسية، أو النفس الناطقة، وقال بعضهم إنه الحقيقة المحمدية.. وقال آخرون إن الناي هو القلم، فالناي والقلم من أصل واحد، ونفير الناي.. كناية عن صرير القلم. وهناك من قال إن الناي.. هو مولانا جلال الدين نفسه».. إلى أن يصل العلامة شتا للقول: «إن الموسيقى على وجه العموم – في رأي مولانا – نفحة سماوية، وكان العلاج بالموسيقى.. معروفاً في بيمارستان (مستشفى)، أُسس في قونية سنة 625 هجرية«.

ثم يحيلنا الدكتور شتا.. إلى الجزء الرابع من المثنوي، لنجد أن مولانا جلال الدين الرومي ينشد في أبياته… أن الألحان والأنغام – أي الموسيقى – مستمدة من الجنة، ومن دوران الأفلاك في السماوات: «ويقول المؤمنون إن آثار الجنة.. جعلت كل صوت قبيح حلواً../ لقد كنا جميعاً أجزاء من آدم.. وسمعنا تلك الألحان في الجنة../ وبالرغم من أن الماء والطين قد صُبا علينا.. فإننا لانزال نذكر منها النزر اليسير../ ومن هنا فإن السماع كان قوت العاشقين.. فإن فيه خيالاً للوصال». «وبه تقوى خيالات الضمير، بل تتحول إلى صور من تأثير الصوت والصفير». 

وقبل ذلك، يقول مولانا – بما يؤكد أن تذوقنا للموسيقى.. مستمد من زمن كنا فيه في الجنة وقبل الهبوط منها.. ومستمد من حركة الأفلاك – «إن أنين المزمار وهدير الطبول.. فيه شبه قليل من ذلك الناقور العام – يقصد آية سورة المدثر (فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) – ومن ثم قال الحكماء: لقد أخذنا هذه الألحان من حركة دوران الفلك../ إنها أنغام دوران الفلك.. تلك التي يتغنى بها الخلق بالطنبور والحلق». أي الوتريات وآلات الإيقاع!

وفي شرحه، نجد مفاجآت عند العلامة الراحل إبراهيم الدسوقي شتا، وأستأذن أن أفصلها في المقال المقبل.

نقلاً عن «المصري اليوم».

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.