نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / ذكريات ريفية (2)

ذكريات ريفية (2)

أحمد الجمال
أحمد الجمال

أحمد الجمال

سُميت العصور التاريخية تسميات عديدة.. غير ما نعرفه عما قبل التاريخ، ثم التاريخ القديم، وبعده الوسيط، ثم الحديث وبعده المعاصر. وفي الوقت نفسه، وُجد العصر الحجري القديم، ثم الحجري الحديث، ثم عصر البرونز.. الذي هو خليط من النحاس والقصدير، ثم عصر الحديد.

وقد اكتشفت أنني – كفرد عادي – قطعت مسافة زمنية، اقتربت من الثمانين سنة.
عشت عصوري الخاصة؛ التي إذا سميتها بأسماء المواد الصلبة، التي استخدمتها في النشاط اليومي.. فسأجد أنها خليط عجيب، إذ عشت عصر النحاس والحديد والصلب الإستانليس؛ حيث طبخنا في النحاس بنوعيه الأحمر والأصفر، وتوقينا أكسدته – حتى لا نتسمم – بدهانه بالقصدير.. الذي ننطقه «أزِّير»، وكان الحديد وبقي.. في معظم الماكينات والخرسانات وغيرها.

وعشت عصر الفخار، حيث كنا نخزن الماء في الأزيار (جمع زير)، وكنا نسميها الخوابي (جمع خابية)، ونشربه من القلل، ونعجن العجين في مواجير (جمع ماجور) الفخار، ونحمل الماء ونخزن العسل الأسود والسمن البلدي والجبن القديم والمش وبعض الخضر المخللة في الجِرار (جمع جرّة)، وكنا نسميها «البلاليص» جمع بلَّاص، أو الزِّلَع جمع زلعة، وكانت هناك أيضاً «البِرنِيَّة» الفخار، والبرام، والطاجن والوعا – بدون همزة – وتطلق على أشكال أخرى من الأواني الفخارية.

ومع عصر الفخار، عشت عصر الصفيح؛ الذي يتم لحام أجزائه، بعد تجميعها.. بالقصدير «الأزِّير»، لتصبح صفائح مختلفة الأحجام، ومصابيح تعمل بالكيروسين، أو الشمع، وقوالب لتشكيل عجين القراقيش والبسكويت والكحك والغُرَيِّبَة والبيتي فور، وكيزان لشرب الماء. ومع الفخار والصفيح، عشت عصر المطاط، ثم يكاد يكون جيلي هو الجيل الأول.. الذي عاش بداية عصر البلاستيك وأنواعه، من مثل «البولي إثيلين» و«البولي بروبيل» و«البولي يستيرين»!

ومع تلك العصور في حياة فرد واحد، أظن أن هناك مسميات أخرى.. تؤرخ لعصور حياتنا، تتصل بملابسنا – أي أسماء قماشها، وأسماء طرزها، والمواد التي صنعت منها – وعليه، فقد عشت عصر خام الدمور وأقمشة الشيت، ومنه اسم أشهر تاجر وأكبر محل أقمشة في طنطا «الشيتي»، وأقمشة الكَستور.. بأنواعه القطيفة والمَبرد، ثم البَفتة والدَّبلان واللينوه، والجبردين والعبك والصوف، وكلها وغيرها.. كانت تُستعمل للذكور والإناث، اللاتي كانت لهن أقمشة بعينها.. كالساتان ورمش العين.

ثم إننا نكاد أيضاً.. أن نكون الجيل الذي عاش بداية الاستخدام الواسع الهائل للمشتقات البترولية.. في صناعة الملابس، وربما لا تخلو قطعة ملابس نرتديها – داخلية أو خارجية – من خلطة بترولية، وبعضنا يفضلها.. كي نتفادى كرمشة النسيج سريعاً، كما هو الحال مع القطن ومع الكتان.

وهنا أنتقل إلى موكب الكسوة.. الذي كان ينطلق في الصباح المبكر من دارنا، يتقدمه الكبار على ركايب الحمير الإناث، وعلى ظهورها البرادع المصنوعة من الخشب المنجد بالليف الأحمر، والمغطى بكسوة من خيوط صوفية سميكة ملونة.

ولمن لا يعرف، فإن ما كان يوضع على ظهر الحمير.. عند ركوبها، يتنوع – حسب الحالة المادية لصاحبها – فهناك الغبيط.. الذي يوضع وينسدل طرفاه على جانبي بطن الدابة، وهناك الضلع.. وهو حشية بسيطة من الليف الأحمر الخشن، في كيس من الخيش.. ليكون طرياً إلى حد ما. وفي القمة البردعة.. التي تخصصت عائلة البرادعي في صنعها، حتى حملت اسمها.

وكان سيدي (جدي) الحاج محمد، وستي (جدتي) وبعض أعمامي وعماتي – حيث يطلق لقب العمة على أخت الأب وعلى زوجات الأعمام – هم الركاب، و«جرمق» العيال.. مشاة من ورائهم، ونصل إلى الطريق المؤدية للشمال، أي إلى قرى ومدن محافظة كفر الشيخ، بداية من منية جناج، ونتوقف عند قرية محلة دياي التي ننطقها «محلة دييه».

ونهبط باتجاه فرع رشيد، الذي تطل عليه القرية لنستقل معدية نهرية تنقلنا إلى البر الغربي، حيث مدينة شبراخيت.. ولماذا شبراخيت، وليس طنطا أو دسوق.. اللتين لا يلزم عبور النهر للوصول إليهما؟
اكتشفت أن السر، هو أن جدتي – أم أبي – قائدة الموكب.. وأصولها من رشيد، كان لها أقرباء هناك من عائلة سالم، ولهم قريب لديه متجر أقمشة كبير.. في شبراخيت؛ هو الحاج «أحمد بازينة»، الذي يبدو من اسم عائلته.. أن له أصولاً حضرمية، مثل كل الأسماء التى تبدأ بباء ممدودة!

وكانت أمي – بحكم أنها تعرف القراءة والكتابة، وبعض الحساب – هي مستشارة القائدة، التي بعد أن تنتهي من شرب سطل الخروب.. هي والجميع – تحية القدوم التي يقدمها الحاج بازينة – تبدأ بالإشارة إلى «الأتواب» جمع توب، وهو ما كان يطلق على لفة القماش الملفوفة على شاسيه خشبي، ويبلغ طولها عادة ثلاثين متراً. وتأمر بإنزال (تنزيل) هذا وذاك وذلك.. من على الرفوف؛ ما بين شيت وكستور وبفتة ودمور ودبلان وتروكلين وغيرها.

وتأمر مستشارتها بحساب المطلوب – حسب عدد الرؤوس من الرجال والنساء والصبيان والبنات – وتحسب أمي المطلوب بأن تعد على أصابعها أسماء البنات مثلاً.. وتقول: عاوزين أربعين متر كستور لفلانة وفلانة إلى آخره، وتضع ستي سبابتها تحت أسنانها وتزم شفتيها وتسأل: «حسبتيها كويس؟»، وتأمر العامل بقولها «كيّل أربعين متر»، تقول: «كيِّل»، وليس «قِس».
ويبدو أن ثقافتنا البلدية والدينية، كانت لا تعرف سوى «الكيل والميزان» وليس الأطوال. ويظل الرجل يكيل عشرات الأمتار.. من أصناف عديدة ويضيف قيراطين- أي إصبعين – على المقاس مجاناً، وإذا كانت نهاية توب.. فيترك، بأوامر صاحب المحل، كسر المتر مجاناً.
وللحديث صلة.

نقلاً عن «المصري اليوم»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.