نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / فبراير شهر البشائر

فبراير شهر البشائر

بكر عويضة
بكر عويضة

بكر عويضة 

نعم، هكذا أطل فبراير (شباط).. على العالم العربي، إنما قبل عشر سنوات. تذكرون – بلا شك – كم قيل يومذاك.. إن أرض العرب – في أكثر من بلد – أصبحت مهيأة.. كي تنتفض بثورات «ربيع عربي»، يُزهِر حريات ديمقراطية، ويلد مجتمعات بلا عَوَز.. من أي نوع؛ خصوصاً عيب الفقر المدقع، الذي يحول بين معظم فقراء المجتمع، وبين رغيف الخبز. 

كيف – إذن – يُعرِض أغلب الناس، وتحديداً بُسطاء النيات منهم، عن الاستبشار خيراً.. بالآتي من رحم غيب.. مجهول التوجهات. وهل عليهم من ذنب.. إنْ صدقوا ما سمعوا، فيما هم غير مدركين خبايا الأجندات، وما تُخفي صدور الذين وضعوا على وجوههم، وما تنطق ألسنتهم، وتردد مفردات أدبياتهم، قناع «التغيير إلى الأفضل«، بينما حقيقة نياتهم.. هي الإبحار بالعالم العربي كله.. في اتجاه ما تقول به أفكارهم، التي عليها شبوا، وبها تشبثوا، حتى شابوا؟ 

إجابة السؤال – وفق تقديري – نعم، ولا. 

… نعم؛ بمعنى أن إعفاء كل جماهير دول ما سُمي «الربيع العربي».. من كامل المسؤولية.. عما آلت إليه أحوال بلدانهم، غير صحيح. 

و… لا؛ لأن الجزء الأهم من مسؤولية ما حل بتلك البلدان من دمار، يقع على كاهل الذين أتوا بالخراب.. على أجنحة غربان الطمع.. بالاستيلاء على ثروات الشعوب العربية، بعد تثبيت الأقدام في قلب موقع استراتيجي.. يتمتع به العالم العربي، وكذلك في الأطراف منه.
هل من الضروري إعطاء أمثلة.. تأتي على ذكر أسماء بلاد بعينها؟ 

كلا، لأن شعوب كل الأقطار – التي ضربتها رياح أعاصير ذلك «الربيع« – رأت.. بأمهات أعينها، كيف انقلبت بشائر أفراح التغيير.. أتراحَ دمارٍ عصف بما كان قائماً من استقرار، ولو ضمن معايير الحد الأدنى، وحال دون تحقيق طموح القطاع الأكبر من الناس.. في مستوى معيشي أفضل. 

ما المقصود بمستوى الحياة الأفضل؟ 

ألا يجب أن يتقدم أمن المجتمع، وأمان البشر، على غيرهما من أهداف أي تحول؟ 

بلى. لكن حصاد الذي حصل على أرض الواقع.. واضح للجميع. انظر كم تشرد مواطنون داخل أوطانهم ذاتها، وكيف تشتت شمل عائلات.. تُقدر أعدادها بمئات الآلاف، بعدما اضطر بعض منها.. إلى النزوح نحو الدول المجاورة. 

بيد أن موضوعية التحليل – ضمن هذا السياق – توجب التنبه لنجاح كل من تونس ومصر.. في تجاوز خطر مثل ذلك المصير البائس، بل ربما يصح فيه.. وصف الحال البغيض. فلا التونسيون اضطروا إلى اللجوء، أو النزوح. ولا المصريون تشتتوا داخل بلدهم، أو على أطرافه. وحتى لو أن كل شيء يتعلق بالتغيير، لم يمضِ في البلدين.. كما تمنى كثيرون، يبقى أن تماسك الشعبين.. بقي قائماً، ولم يقع تمزيق للنسيج المجتمعي.. كما جرى لغيرهما.

لماذا أمكن لكل من مصر وتونس.. النجاح في عبور مأزق الفوضى، وتجنُّب الانزلاق في طريق خطر التفتت، كما عانى آخرون؟ 

الأرجح.. أن السبب أوضح من ضرورة الإسهاب في الشرح. يكفي التذكير بحقيقة أن النخب السياسية في البلدين.. تجنبت فخ الاستعانة بالأجنبي، ومن ثم استدعاء بعض الغرباء.. إلى التدخل في الشأن الداخلي؛ ليس سياسياً فحسب، بل كذلك بالفعل الممارَس على الأرض، وهو الأخطر تأثيراً. 

حقاً، سوف تسجل وثائق التاريخ.. لكل من مصر وتونس، تحقيق ذلك الإنجاز الأمني المهم.. في مواجهة أعاصير ما أتى به فبراير.. عربياً، قبل عشر سنوات. تثبت وقائع ما مرت به تجارب عدة -عبر قرون كثيرة مضت – أن كل مجتمع قدم مصالح الآخرين.. على الصالح الذاتي؛ بلا أي جهد يميز التعاون الطيب والمفيد، عن الطمع المستتر والخبيث، انتهى إلى فقدان ما بنى من رائع البنيان.. بسبب غضّ النظر عما بدا – لكل متابع دقيق للأحداث – أنه خطر مقبل.. يحيق بما تحقق من التقدم. 

هل يعني ما سبق عضّ الأصابع ندماً على كل ما حصل؟ 

كلا، لن يفيد ذلك بشيء أيضاً. 

إنما من المنطق.. توقع أن يصدع كثير من الناس.. بتساؤل – كثيراً ما يتردد على الألسنة، حتى في العادي من الأحوال – أين كنا.. وأين صرنا؟ 

غير أن التساؤل وحده.. لن ينفع في إحداث أي تغيير، أو إصلاح. 

الأصوب.. هو أن تقتنع الشعوب، أن الانسياق وراء أي كلام – فضلاً عن الاستسلام لبريق الشعارات – سوف يترتب عليهما – دائماً، وفي مختلف الحالات – ثمن شديد الألم، وموجع.. لسنوات ربما تمتد طويلاً. 

ذلك كان فبراير 2011.. أتى ببشائر للناس، فانقلبت كوابيس تقضُّ المضاجع.

* صحافي فلسطيني مخضرم. عمل في كبريات الصحف العربية، من بينها جريدة »الشرق الأوسط»، وصحيفة «العرب» اليومية، كما عمل مستشاراً لصحيفة «إيلاف» الإلكترونية.

 

نقلاً عن «الشرق الأوسط».

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.