نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / جمال عبد الناصر.. الزعامة والدور والتقييم التاريخي 

جمال عبد الناصر.. الزعامة والدور والتقييم التاريخي 

 نبيل عبد الفتاح   
 نبيل عبد الفتاح   

الكتابة التاريخية حول ثورة يوليو 1952، لا تزال موسومة بالانحياز الأيديولوجي، والأحكام القيمية والأخلاقية المترعة بالتعميمات، والنزعة الحدية بين من يؤيدونها ويحاولون تنزيهها عن الأخطاء الكبرى، في سياسة صنع القرار المركزي عند قمة السلطة، أو هؤلاء الذين يختصرونها في شخصية الرئيس عبد الناصر وزعامته التاريخية، وكاريزميته الطاغية المؤثرة، التي حركت قطاعات جماهيرية واسعة بطول العالم العربي وعرضه، وداخل مصر بين الفئات الشعبية والوسطى الصغيرة، والوسطى – الوسطى. وهناك من يركزون على الأخطاء التاريخية، التي يصفونها ب”الخطايا الكبرى”، ويركزون على الجوانب السلبية في المشروع الناصري والتجربة التاريخية.  

هذان الاتجاهان في المقاربة التاريخية، كلاهما ينطوي على أخطاء منهجية. تعود إلى انحيازهما السياسي والأيديولوجي الواضح، والتعميمات المجنحة بلا ضوابط، التي حملتها كتابات وأطروحات، بعضها أكاديمي ينطلق من الأيديولوجي السابح في فضاءاته، لتطبق على بنيات ووقائع سياسية واجتماعية، مفارقة لهذه المقاربات الأيديولوجية الليبرالية أو الماركسية، أو القومية أو الناصرية أو الإسلامية. 

تعود هذه الأحكام المجنحة أيديولوجيا – وذات الانحيازات المسبقة – إلى أزمة الكتابة التاريخية في مصر؛ سواء على مستوى الدرس الأكاديمي، أو الكتابات السياسية والصحفية السريعة والمجتزأة، وهو ما يعود إلى بعض الأسباب وعلى رأسها: 

1 – في عصر الأيديولوجيات، والسرديات الكبرى، هيمنت النزعة الأيديولوجية على الدرس التاريخي الأكاديمي والإعلامي، والنزعة الانتقائية في التقاط الوقائع، والسياسات والأرقام التي تدعم وترسخ القيمة والمعنى المستمد من هذه الأيديولوجية أو تلك، لتخدم أهدافها في الصراع الأيديولوجي، وفى التعبئة السياسية، وفى جذب المناصرين لها في حومة الصراع اليومي.  

من ثم يعتمد المؤرخ أو الكاتب على بعض الوقائع، ويجعلها في مركز التقييم التاريخي، ويهمش أخرى أيًا كانت أهميتها، ويركز على تلك التي توافق توجهاته في تحليله واستنتاجاته، لتأييد موقفه الأيديولوجي المسبق، وهو ما نستطيع أن نجده في تقييم المرحلتين الناصرية والساداتية من بعض المؤرخين الناصريين، أو هؤلاء الذين مالوا مع السادات وسياساته، ورجح البعض منهم نقائض الإنجازات الناصرية الاجتماعية، أو في مجالات الثقافة والاستقلال الوطني وعدم الانحياز.  

من ناحية أخرى حول بعض من المؤرخين الليبراليين عمومًا، والبعض من ذوي الانتماءات الوفدية الناصرية إلى مأتم تاريخي ومرحلة سوداء، انطلاقًا من أزمة الحريات العامة والاختيارات السياسية الفردية، والعصف بالمبادرات في عديد المجالات.  

نقطة انطلاق هذا الاتجاه هو التركيز على تصفية التعددية السياسية والحزبية، وانغلاق المجال العام السياسي على نظام التعبئة السياسية، المتمثل في الحزب الواحد، وإقصاء الأحزاب والاتجاهات السياسية الليبرالية والماركسية وغيرها، باستثناء هيئة التحرير ثم الاتحاد الاشتراكي العربي، والتركيز على مفهوم تحالف قوى الشعب العامل، المستمد من خلطة أيديولوجية من الماوية ــ وتحالف القوى الثورية المعادية للاستعمار، ومن التجربة السالازارية، والبيرونية السياسية، وبعض تراث حزب الوفد كوعاء لقوى اجتماعية عريضة. 

هذا الاتجاه سعى – في غالبه – إلى التركيز على غياب حقوق المواطنة السياسية الليبرالية، ونسيان حقوق المواطنة الاجتماعية، التي تحققت في عهد ناصر، وسياساته الاجتماعية التي أدت إلى اتساع قاعدة الفئات الوسطى، من خلال مشروع التنمية، ناهيك عن دعم حقوق العمال والفلاحين. تناسى بعض هؤلاء الليبراليين الحراك الاجتماعي، الذي كان أحد أبرز الإنجازات الناصرية. 

من ناحية أخرى أغفل هؤلاء الدور البارز للتعليم المجاني في جميع مراحله، والتأمينات الصحية والاجتماعية، وتطور السياسة الثقافية… إلخ. وكذلك الدور البارز لجمال عبد الناصر؛ كأحد أهم الزعامات الشعبية الكبرى في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، إلى جانب سعد زغلول، ومصطفى النحاس، ومكرم عبيد، وتجاوز مكانته حدود مصر إلى عالمها العربي ودول القارات الثلاث.  

شكل ناصر مع نهرو، وتيتو، وسوكارنو أقطاب هذه الحركة السياسية للقارات الثلاث في السياسة الدولية. وكان لحضور ناصر الكاريزمي البارز، دوره في دعم مكانة مصر وسياساتها الدولية والإقليمية، من خلال دعمه لحركات التحرر والاستقلال الوطني، في مواجهة الاستعمار الغربي.  

وكذلك كان مفهوم الكرامة الوطنية وهيبة مصر، ورفع شأن المصريين من خلال مشروع التنمية، هو تعبير موضوعي عن استثمار التقاليد التاريخية للوطنية، ولمفهوم الأمة المصرية التاريخي، الذي تأسس مع الدولة- الأمة الحديثة، ومن أحمد عرابي، ومحمد عبد الشهيد الحي وصحبه من الجنود الذين استشهدوا في معركة التل الكبير، إلى موروث الحركة الوطنية الدستورية الليبرالية المعادية للاستعمار البريطاني. 

قدم جمال عبد الناصر نموذجًا لرجل الدولة الذي يقرأ، ويتابع ويعطي عمره وصحته للدولة-الأمة وشعبها. كما كان رجل دولة وزعيما سياسيا نظيف اليد، لم تمتد يديه إلى المال العام أو إلى أموال الآخرين. وعاش حياة متقشفة ونزيهة ومعه أسرته. وتحققت معه نزاهة رجل الدولة، وهو مفهوم تراجع بعده كثيرًا، على نحو ما رأينا من تجاوزات كبرى في المال العام.  

هذه الأبعاد الإيجابية الفعالة لناصر وثورة يوليو 1952، حاول ولا يزال بعضهم نسيانها، والتركيز على بعض أخطاء الناصرية الكبرى – التي لا ينكرها أحد – حول نوعية التعليم التي تراجعت لحساب الكم على حساب الكيف، ومصادرة الحريات العامة السياسية، والمثالب الكبرى التي أدت إلى عدم تحقيق الخطة الخمسية الأولى لأهدافها كاملة، وهزيمة يونيو (حزيران) 1967 الساحقة الماحقة. 

كان ناصر زعامة تاريخية كبرى، لكنها تراجيدية، لكن يبقى منها معاني الاستقلال الوطني، والكرامة القومية والعزة والكبرياء، وقيم النزاهة في الحكم، وحرمة المال العام.  

تستدعي الذاكرة الجماعية للأمة المصرية ناصر، ومعه إنجازاته الاجتماعية، وكبرياؤه الوطني، والتصدي للفساد. 

نقلا عن “الأهرام”. 

 

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.