نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / مقالات / فيليب بترورث هايز: شرم الشيخ ضحية عدم التوفيق بين السياسة وأمن الطيران

فيليب بترورث هايز: شرم الشيخ ضحية عدم التوفيق بين السياسة وأمن الطيران

 

متى تعود الرحلات المباشرة لخطوط طيران الاتحاد الأوروبي من أوروبا إلى شرم الشيخ؟

تتوقف الإجابة على هذا السؤال، على قرار تتخذه رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. كان هذا هو التصور السائد لدى الحاضرين، في اجتماع عقدته اللجنة البرلمانية لجميع الأحزاب في مجلس العموم البريطاني، يوم 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لمناقشة الموضوع، وأصدرت اللجنة – في ختام الاجتماع – بيانا قالت فيه “ليست هناك اسباب مرتبطة بالأمن، تفرض وقف الرحلات الجوية إلى شرم الشيخ”، بناء على تقرير تلقته مجموعة من البرلمانيين البريطانيين، زاروا المنتجع الراقي في جنوب سيناء، من مسؤول في وزارة النقل البريطانية، منتدب لمتابعة الإجراءات الأمنية في مطار شرم الشيخ.

ولكن لايبدو الوقت مناسبا للحكومة البريطانية، حتى ترفع الحظر على الطيران المباشر غلى المدينة، رغم معرفتها بالآثار السلبية الهائلة، التي يتركها ذلك على قطاع السياحة، والاقتصاد المصري بوجه عام.

ويشعر كثير من خبراء الطيران الأوروبيين، بصعوبة بالغة في تفهم مبررات عدم استئناف حركة الطيران إلى المنتجع. وقال مسؤول في إحدى شركات الطيران الأوروبية – شريطة عدم الكشف عن هويته – “لاأعتقد أن مصر لقيت معاملة عادلة في هذا الشأن، لاسيما وأنه كانت هناك مظاهر للقلق الأمني في دول الاتحاد الأوروبي، بشأن حركة الطيران إلى استانبول، لكن الرحلات الجوية إلى مطار تلك المدينة لم تتوقف، وظلت مستمرة”.

ويرى كثير من الخبراء أن تقييم الحكومة البريطانية لمستويات أمن المطارات، يعتبر عاملا مهما في اتخاذ قرار باستئناف الرحلات الجوية. وكانت لندن حظرت رحلات طائرات شركات النقل الجوي البريطانية إلى شرم الشيخ، في أعقاب سقوط طائرة “إيرباص” تابعة لشركة “متروجيت” الروسية، كانت في رحلة من شرم الشيخ إلى مدينة سان بطرس برج، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015 الماضي، وقتل كافة الركاب وأفراد الطاقم، البالغ عددهم 224 ضحية.

وفي الوقت الذي يترقب فيه الجميع إعلان نتائج التحقيقات الوافية عن الحادث، نقلت تقارير صحفية عن مصادر في فريق التحقيق الرسمي – المشكل من خبراء في أمن الطيران، من فرنسا وألمانيا وأبرلندا – أن “هناك مؤشرات على وضع قنبلة على متن الطائرة”، على النحو الذي أشار إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي – في حديث له في شهر فبراير (شباط) الماضي – حين قال “ماذا كان يريد الذين أسقطوا الطائرة الروسية؟ لقد أرادوا ضرب قطاع السياحة، وأن تتأثر العلاقات بين مصر وروسيا”.

وقد أرسلت الحكومة البريطانية – في أعقاب الحادث – فريقا من الخبراء الأمنيين إلى شرم الشيخ، وبناء على تقرير تقدموا به إلى لندن، أصدرت الحكومة قرار حظر الطيران إلى مطار المدينة يوم 4 نوفمبر 2015. لكن منذ ذلك الحين، أعلنت الحكومة المصرية إنفاق 30 مليون دولار، على شراء معدات وتسهيلات أمنية، لتجهيز مطار المنتجع السياحي. وكلفت اثنين من أكثر الشركات البريطانية خبرة في الأمن، بإعداد تقدير للتهديدات المنية المحتملة، وبرامج للتدريب على ‘حباطها ومواجهة احتمالاتها وآثارها. وفي هذا السياق، أبلغت سلطة الطيران المدني الألمانية شركات طيران بلادها في شهر مايو (أيار) الماضي، برفع الحظر عن حركة الملاحة الجوية إلى مطار شرم الشيخ، ودعتهم إلى استئناف رحلاتهم إلى المقصد السياحي. لكن أيا من الشركات الألمانية لم تستأنف رحلاتها إلى هناك حتى الآن.

وكانت الحكومة المصرية اختارت شركة “كونترول ريسك” Control Risk البريطانية – يوم 10 فبراير (شباط) الماضي – لمراجعة الإجراءات الأمنية المطبقة في ثلاث مطارات مصرية؛ هي شرم الشيخ ومرسى علم والقاهرة. وقالت الشركة – في بيان أصدرته في شهر أغسطس (آب) الماضي، أنها “تعمل لمساعدة الحكومة المصرية، بإعداد توصيات لإجراء تحسينات في المطارات الثلاث، بهدف التأكيد على أن العمل فيها يتوافق مع أفضل المستويات العالمية في الأمن والإدارة”. وتضمن البيان أن الشركة “أكملت تقريرها، وقدمته إلى الحكومة المصرية في شهر أبريل (نيسان) الماضي”.

وفي شهر يونيو (حزيران) الماضي، عينت الحكومة المصرية شركة “ريستراتا” Ristrata البريطانية أيضا، لإعداد برنامج لأمن المطارات والطيران في كامل الأرض والفضاء المصريين، بما في ذلك مطار شرم الشيخ. كما تقدم شركة “ريستراتا” الخبرة والمشورة لشركة “فالكون جروب انتناشونال” المصرية الخاصة، التي وقع عليها اختيار وزارة الطيران المدني المصرية، لتقديم الخدمة الأمنية في المطارات المصرية، ويشمل ذلك تدريب 7 آلاف فرد أمن، على مدى الأشهر الستة الجارية.

وفي مناسبة توقيع عقد شركة “ريستراتا”، قال السفير البريطاني في مصر جون كاسون “أنا فخور بأن بريطانيا هي الشريك المفضل لمصر، والأكثر نشاطا فيها، على الطريق للتوصل إلى نظام لمن المطارات على المستوى العالمي، يمكن أن يكون نموذجا للعالم كله”.

وعلى الرغم من إعداد نظام أمن مطارات، “يكون نموذجا للعالم كله”، فإن حكومة بريطانيا مازالت لاتسمح لشركات الطيران البريطانية بالتحليق إلى شرم الشيخ. كما أنها تبدو الأكثر تدقيقا في تحديد أنظمة أمن الطيران، ولاتكتفي بالتركيز على التهديدات الإرهابية بشكل عام، باعتبارها الخطر الأساسي على السياح البريطانيين، الذين يقصدون مصر بطريق الجو. وحسب مصادر وزارة الخارجية البريطانية، فإن “زيارة منتجع شرم الشيخ تعتبر آمنة بالنسبة للسائحين البريطانيين، ماداموا لايسافرون عبر مطار المنتجع في رحلات جوية”.

يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى تتبع الموقف البريطاني، فرغم أن حكومات أوروبية – بينها المانيا – رفعت الحظر على تحليق طائرات شركات النقل الجوي التي تحمل جنسيتها إلى شرم الشيخ رسميا، مازال الكثير من شركات طيران هذه الدول مترددا في استئناف الرحلات الجوية إلى مطار المنتجع. ولكن سياسة اتخاذ القرار بشأن أمن المقاصد السياحية تظل أمرا معقدا، يخضع لاعتبارات ذاتية، بينما التقييم البريطاني يعتمد على مراجعات أمن الطيران والمطارات، ويتم إعداد تقديرات التهديد بواسطة أجهزة الأمن القومي البريطاني، التي تظل مصادر معلوماته، والنتائج التي تتوصل إليها سرية – للاسباب المعروفة – وعير قابلة للنشر.

كانت هناك في السنوات الأخيرة محاولات لفصل لفصل التوجهات السياسية عن توصيات أمن الطيران المدني. وفي أعقاب إسقاط طائرة الخطوط الجوية الماليزية – التي كانت في الرحلة رقم 17 – فوق شرق أوكرانيا، في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، حاولت منظمة “إيكاو” – وهي المؤسسة المختصة بوضع قواعد أمن الطيران المدني التابعة للأمم المتحدة – أن تؤسس جهازا عالميا يتشارك في المعلومات حول التهديدات الأمنية، ويزود الشركات بهذه المعلومات. وفي أوروبا حاولت الوكالة الأوروبية لأمن الطيران – التابعة للاتحاد الأوروبي – تطبيق رد فعل منسق على مستوى دول الاتحاد، لتقييم وإدارة الخاطر الأمنية، لكن كلتا المحاولتين لم تلق نجاحا كاملا.

وفي شهر يوليو (تموز) عام 2014، في أعقاب إطلاق صواريخ من قطاع غزة، وصل مداها إلى مطار بن جوريون قرب تل أبيب، حظرت الولايات المتحدة الأمريكية تحليق طائرات الشركات الأمريكية إلى ذلك المطار، كما أوصت الوكالة الأوروبية لأمن الطيران شركات الطيران الأوروبية، بالالتزام بقرار الحظر الأمريكي، فأوقفت معظم الشركات الأوروبية رحلاتها طائراتها إلى مطار بن جوريون، إلا شركة الخطوط الجوية  البريطانية – التي وضعت تقييما أمنيا خاصا بها – كانت واحدة من الشركات الأوروبية القليلة، التي واصلت تحليقها إلى ذلك المطار.

وبعد 9 أشهر من فرض الحكومة البريطانية حظرا على رحلات شركات الطيران البريطانية إلى مطار شرم الشيخ، لايبدو هناك أي مؤشر على رفع ذلك الحظر، ويظل من الصعب تحديد الدور الذي تلعبه المواقف السياسية في قرارات من هذا النوع، والتفرقة بين التقييم السياسي وبين أسباب المخاوف الأمنية الحقيقية، من حيث نصيب كل منهما في المواقف النهائية التي يجري اتخاذها.

شاهد أيضاً

مصطفى الفقي

اعترافات ومراجعات (8).. «أحلام الشباب.. ذكريات لا تنسى»

اعترافات ومراجعات (8).. «أحلام الشباب.. ذكريات لا تنسى»

نبيل عبدالفتاح

الحياة الرقمية وثقافة التفاهة

الحياة الرقمية وثقافة التفاهة