نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / وضع النتائج قبل المقدمات لدى «الجماعات السياسية الإسلامية» (1 ـ 2)

وضع النتائج قبل المقدمات لدى «الجماعات السياسية الإسلامية» (1 ـ 2)

عمار علي حسن
عمار علي حسن

عمار علي حسن

لا يمكن لصاحب تفكير سليم.. أن يقفز إلى النتائج، قبل أن يضع المقدمات الواضحة الراسخة علمياً، فهذه قاعدة منطقية لا جدال فيها. لكن كثيراً من التصورات – المطروحة في الكتب التي وضعها مُنظِّرو الجماعات الدينية السياسية، على اختلاف درجات تشددها – تذهب إلى الخلاصات.. دون شرح كافٍ لما يؤدي إليها في اطمئنان، بل إنها تضع النتائج قبل المقدمات.
ولا يقتصر الأمر على هؤلاء، بل إن كثيراً من منتجي «المعارف الدينية» المحضة.. يقعون في الخطأ ذاته بطريقة ما، إذ إنهم – ولأسباب شتى سنأتي على ذكرها لاحقاً – يصدرون أحكامهم، وكثير منها يكون باتاً قاطعاً ونهائياً في نظرهم، ثم يبحثون في النصوص وتفسيراتها وتأويلاتها.. عما يبرر ما انتهوا إليه، ويطرحونه باطمئنان يحسدون عليه.

قلت هذا ذات مرة.. في مناظرة تلفزيونية ضد أحد البارزين في جماعة الإخوان، فشرد قليلاً في الكتب التي درسها وهو شبل صغير في الجماعة، حتى صار أحد أعضاء «مجلس الشورى» بها، وأنكر هذا أمام المشاهدين. لكننا حين التقينا خارج استديو التصوير، قال لي: «ما قلته يستحق النظر، أنت أيقظت في رأسي أشياء.. لم تخطر عليه من قبل، لكنني أعتقد أن تصورك هذا فيه قدر من التسرع، وعليك مراجعته».

لم أكن متسرعاً بالطبع، فقد عملت ردحاً من الوقت.. باحثاً في شؤون «الحركة الإسلامية السياسية»، ولم أكن منتبهاً – في البداية – لهذه الآفة، لكني اكتشفتها بمرور الوقت وأثناء بحث مستفيض عن عيوب التفكير.. لدى أتباع الجماعات والتنظيمات؛ التي توظف الإسلام في تحصيل السلطة السياسية، سواء فيما حوته البيانات والمنشورات التي يصدرونها، أو الكتيبات الإرشادية التي تُقرَّر على من ينتمون إليها، أو الكتب الأكثر عمقاً، سواء في الفقه أو التصور السياسي والاجتماعي.

يكفي أن نأخذ مثالاً بسيطاً للبرهنة على هذا الأمر.. من كتب: «ميثاق العمل الإسلامي»، الذي يحمل التصور الأساسي للجماعة الإسلامية في مصر، و«معالم في الطريق» لسيد قطب، وهو الأكثر تأثيراً في جماعة الإخوان في العقود الأخيرة، ومعها التنظيمات الجهادية كافة، و«إدارة التوحش» الذي يحوي الأيديولوجيا الأساسية لتنظيم «داعش».. لكن قبل تحليل هذه الكتب الثلاثة لتقديم ما يدل على هذه الفكرة ويجليها، يجب أن نشرح الأسباب التي تؤدي بهذه الجماعات.. إلى الوقوع في تلك «المغالطة المنطقية» أو «العوار المنهجي»، الذي يجعل الكتابات والأدبيات التي تستند إليها.. تلعب دوراً كبيراً في تضليل أتباعها، مستغلة في هذا النصوص الدينية الأساسية؛ من قرآن كريم، وحديث نبوي، وبعض أقوال الصحابة بشكل عام.

1 ـ الأهداف المسبقة: هذه الجماعات والتنظيمات.. لديها أهداف محددة، نشأت من أجل تحقيقها، ولا يمكنها أن تحيد عنها، وهي تعبئ أعضاءها للذهاب إليها جميعاً، ولا تريد أن يظهر أي شيء يحول دونها، حتى لو كان نصاً قطعي الثبوت والدلالة، فإن كان مثل هذا النص.. فهي إما تتناساه، أو تعمي عليه، أو تقوم بتأويله.. في السبيل الذي يخدم هدفها.
فمثلاً لو أرادت هذه الجماعة أن تبني شرعية وجودها على أن النظام السياسي الحالي كفري أو لا يطبق الشرع، فإنها ستتعامى عن كل ما يبين عكس ما تقول، كأن تنص الدساتير على أن مبادئ الشريعة الإسلامية من أصول التشريع، وأن كل الآيات القرآنية التي تشرعن للناس أسلوب حياتهم.. مطبقة؛ وأغلبها في ترتيب الأحوال الشخصية.
ولأن هدف هذه الجماعات هو إقصاء ما عداها من قوى سياسية وفكرية أخرى، فإنها تتهمها بالعلمنة والتغريب، وربما العمالة للغرب والاستسلام لكل وافد، وتغلق عينيها عما بين هؤلاء ومظاهر التدين وجواهره على أساس الإسلام من اتصال.

2 ـ ضعف التكوين المنهجي: فبعض من ينتجون هذه الكتابات.. لا يحسنون التفكير العلمي، أو لا يملكون طرائق وأدوات مناهج البحث؛ التي تقوم على الشك وطرح الأسئلة ووضع الافتراضات، ثم السعي وراء إجابات أو إثباتات أو نفي، مع التحرر الكامل في هذا من كل تصورات أو ارتباطات أو التزامات مسبقة، ثم الامتثال لما يقتضيه النهج العلمي.. إنما تسيطر عليهم مقتضيات الدعاية؛ التي ترمي إلى جذب الأتباع، وإغناء المجال العام.. بما يقود إلى التعاطف مع فكر هذه الجماعات ومسلكها.

3 ـ ضعف التكوين الفقهي: الفقه الإسلامي – في بنيانه الرئيسي – يقوم بالأساس على جعل النص «القرآني» أو «النبوي» أساساً، ثم إعمال العقل فيما لم يرد فيه نص، على ألا يقطع فقيه.. بأن ما يصل إليه، هو بالضرورة القول النهائي القاطع الذي لا صد له ولا رد؛ إنما هو اجتهاد في الدين، أو رأي في الدين، وليس «الدين».

أما التصورات التي يقدمها مُنظِّرو تيار «الإسلام السياسي».. بوصفها فقهاً، فهي تفتقر إلى هذه الشروط.. في الغالب الأعم، وتخضع لكل عيوب الأيديولوجيا، ومنها زعم الوثوق والنقاء والسلامة التامة.

4 ـ مغازلة القواعد: فالذين ينتجون هذه التصورات، يراعون – بالقطع – ما عليه القواعد من فهم وتصورات ومواقف، تمت صناعتها جميعاً على مدار سنوات أو أقل.. بفعل ما تم دفعه أو بثه أو إلقاؤه على الأسماع؛ من آراء قامت في أغلبها على ما يسعى إلى تحقيق الهدف، وليس بالضرورة ما يستجيب إلى ما يفرضه النص، أو تتطلبه مصلحة المجتمع العام، الذي هو أعرض أو أوسع من مجتمع التنظيم أو الجماعة.

ومع مرور الوقت، تستقر هذه الرؤى في أذهان القواعد أو الأتباع، ولا يعرفون غيرها سبيلاً إلى الاقتناع والثقة، وتشكل ما يمكن أن يكون أشبه بـ «رأي عام».. داخل الجماعة أو التنظيم، يصنع لنفسه قوة أو وجهة دفع وتأثير، لا يمكن لمن يعظ في جمهورها أو يرشده أن يتجاهل هذا، لذا فإنه يستسلم له، ويتماهى معه، أو على الأقل يجاريه، حتى يحظى بالقبول والاعتماد، ومن ثم تعزيز الدور وترسيخه داخل الجماعة، التي قد لا يشغلها في أوقات المواجهة.. مدى دقة الموقف الشرعي، إنما إيمان أتباعها بصحة موقف قياداتها.

(.. ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)
نقلاً عن «المصري اليوم»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.