نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / اعترافات ومراجعات (5).. (الخوف الغامض)

اعترافات ومراجعات (5).. (الخوف الغامض)

مصطفى الفقي
مصطفى الفقي

مصطفى الفقي

ينظر المرء – عندما يتقدم به العمر – خلفه.. فيرى ما لم يتمكن من البوح به من قبل. وأنا هنا، أرد معترفًا – في صدق وشفافية – على أنني حرصت على ألا أصطدم بالشرعية.. في العهود السابقة، لأنني أعلم أنها الأقوى، وأنها سوف تكسب المعركة؛ خصوصًا أنني اكتشفت أن هناك ميراثًا غريبًا.. في جينات السياسة المصرية، مؤدَّاه إمكانية اغتيال الشخصية معنويًا.. عند اللزوم، وتشويه الصورة.. بدلًا من الرد الموضوعي على الرأي الآخر. كما أدركت أن الدفوع – التي يتم تداولها في مواجهة رأى معين – تتخذ طريقًا سهلًا، مؤدَّاه تجريح الشخصية، وتشويه الصورة.. كطريق سهل، بدلًا من مناقشة الرأي، وتقليب الفكرة.. مهما اختلفنا معها.

وقد وقر ذلك في ضميري، واستقر في وجداني.. منذ مطلع شبابي. ورأيت أن التوافق النسبي.. مع الشرعية، قد يكون أفضل من التناطح معها، كما يساعد أحيانًا على ترشيد بعض جوانبها، خصوصًا أنها في بلادنا قوية وفاعلة، والصراع معها غير متكافئ، لذلك آثرت – عبر السنين – أن أبحث عن الهامش المشترك.. بيني وبين الشرعية. وأن أقف في ذلك المربع.. بعيدًا نسبيًا عن العواصف العاتية، والضربات تحت الحزام.. عند اللزوم؛ كالتي تأتي لصاحبها.. بالتنقيب في حياته الشخصية وسيرته الخاصة، بحثًا عن نقاط الضعف – ويقول الكتاب المقدس: من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بحجر- فالتنقيب في تاريخ البشر.. يكشف الجميع عند اللزوم.

ولقد تمكن العقل المصري الجامح.. من اكتشاف نظرية التشويه، حتى لو وصل الأمر إلى استخدام التكنولوجيا الحديثة.. في الإيقاع بالشخص المطلوب، والاحتفاظ بالملف.. إلى اللحظة التي يتم الاحتياج إليه.

وأتذكر أنني التقيت بأستاذنا الراحل.. هيكل ذات مرة – في منتجعه بمنطقة برقاش – وجلسنا في الحديقة، حتى يكون الحديث متاحًا بحرية. وبدأ الأستاذ هيكل يوجه انتقادًا مستترًا.. لبعض أخطاء النظام السابق، وأنا أبتسم – صامتًا – بالموافقة، فإذا هو بطريقته الساخرة.. يقول لي: إن التسجيل الآن صوت وصورة، فلا تتوهم أنك – بهذا الموقف السلبى مما أقول – تعفي نفسك من تبعة نتائجه. وضحك ضحكته العالية، ثم قال لي: إننا لسنا في عصر شعراوي جمعة – رحمه الله – بل نحن في عصر مختلف؛ يمكن فيه رصد أنفاس البشر.. لا أحاديثهم فقط.

ولذلك، آثرت دائمًا السلامة، والبعد عن مواقع الظن الخاطئ، والتأويل المتعجل.. الذي يؤدى إلى الظلم البين. وذات يوم، التقيت بإنسان عزيز علىّ.. هو الدكتور محمد أبوالغار، الذي أراه بوصلة للوطنية المصرية، فقلت له: إنني متفائل من الأوضاع الحالية – وقتها – فقال لي: إنك متفائل دائمًا! مُلمحًا إلى أنني أؤثر السلامة، وأقف على الشاطئ الآخر من النهر، وأتدخل في حذر، ولا أمسّ المسكوت عنه.. إلا نادرًا، رغم أن وجهات نظري معروفة.. في كتبي ومقالاتي وأحاديثي، ولكنها تبدو دائمًا.. غير مباشرة، تصل فقط إلى المتمرسين بالحياة السياسية، والضالعين في أمورها. ولأنني أجلس الآن على كرسي الاعتراف، فإنني أقول إنني لم أكن سعيدًا.. في معظم عصور الحكم التي عايشتها؛ فلكل منها مزايا.. بلا شك، ولكنها محفوفة بأخطاء على الجانب الآخر، لا يتحدث عنها الناس في وقتها، ولكنهم يسرفون في التعليق عليها.. بعد رحيل أصحابها.

إنها صفات خادعة، جُبِلَ عليها المواطن المصري.. الخائف دائمًا، والمذعور أحيانًا.

ولقد تعرضت شخصيًا.. لحملات تشويه سياسية وشخصية، ربما لم يكن فيها لدى ذلك القدر من النقد والتجريح المسيء، ولكنها مكونات مصرية، بل ربما عربية، تؤدى بنا دائمًا إلى سوء الظن، وتغليب خطاب الكراهية، وإعمال مؤثرات الغيرة الشخصية. وفي ظني أن أهم ما يحتاجه الوطن.. هو حشد من أساتذة العلوم السلوكية – علوم الاجتماع وعلم النفس والسياسة والاقتصاد – في كبسولة واحدة، تضع حدًا للمعاناة التي استنزفت قدرًا كبيرًا من جهد أبناء الوطن.. في كافة المراحل؛ فنحن محتاجون إلى درجة عالية من الموضوعية، والابتعاد الكامل عن الشخصنة، والتوقف عن سوء التأويل، والإيمان بأننا بشرٌ ولسنا ملائكة، وليس من بيننا قديس.. ولا إبليس. وإنما نحن نأكل الطعام، ونمشى في الأسواق.. كما ذكر القرآن الكريم، في وصفه للنبي العظيم

إن هذه السطور المغلفة، أبعث بها كرسالة لكل من لديه مرجعية للأحداث، وذاكرة للسوابق، وأتمنى أن أواصل اعترافاتي.. بأمانة وشجاعة، لأنني مؤمن بأنه لا يصح إلا الصحيح في النهاية، وأن كثيرًا من الملاحظات – التي يحاسب عليها المجتمع في بلادنا – ليست بالضرورة أخطاءً في مجتمعات أخرى؛ فالقيم نسبية، والثقافة مختلفة، وفقًا للزمان، والمكان.

وسوف أواصل فتح ملفاتي، وعلى الذين يعترضون عليها.. أن يتهيأوا لفتح ملفاتهم أيضًا.

إنني أقول ما كتبه الكاتب العظيم الراحل أحمد بهاء الدين ذات يوم: «مرحبًا بفتح ملفى، بشرط فتح جميع الملفات».

نقلا عن «المصري اليوم».

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.