نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / تحية لمحمد أبوالغار.. رائد مدرسة الإنسانية المعاصرة

تحية لمحمد أبوالغار.. رائد مدرسة الإنسانية المعاصرة

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

زياد بهاء الدين

فجأة، وبدون مقدمات، يأتي خبر مفرح.. فيرفع الروح المعنوية ويغمرنا بالسعادة.

هكذا كان خبر أوائل الشهر الجاري.. بحصول الدكتور محمد أبوالغار على جائزة النيل للعلوم من الأكاديمية العلمية، وهي أرفع وسام علمي مصري.

الجائزة – بالطبع – كانت تقديراً لما حققه في مجال طب المرأة والأسرة؛ طبيباً وباحثاً وأستاذاً. لكن ما قدمه الدكتور أبوالغار لبلده ولمجتمعه.. يؤهله لجوائز مماثلة في الكتابة، والنقد، والتذوق الفني، والوطنية، وقبل كل ذلك في الإنسانية.

■ ■ ■
فكرت طويلاً قبل استخدام تعبير «الإنسانية».. في وصف الدكتور أبوالغار، لأن ما أقصده ليس المعنى المألوف للعطف والرحمة والاهتمام بالآخرين – وكلها صفات لا تنقصه – بل ما يتجاوز ذلك إلى وصف أسلوب في التفكير، والحياة العملية.. يضع الإنسان وتقدمه ورفاهته موضع الصدارة.

والإنسانية بهذا المعنى (ترجمة «Humanism») ليست مجرد مدرسة فكرية غير محددة المعالم مثل الأيديولوجيات التقليدية الصارمة، بل اتجاه واسع يعبر عن الإيمان بالحرية، والمساواة، والديمقراطية، ومدنية الدولة، وحماية البيئة والموارد، واحترام القانون.

■ ■ ■
خلال أكثر من خمسة عشر عاماً، كان من حسن حظي أن عرفت الدكتور أبوالغار عن قرب، واشتركت معه في أنشطة ثقافية أولاً، ثم سياسية وحزبية.. حينما أتيحت الفرصة لنا بعد ثورة يناير، ثم اجتماعية في أكثر من مجال، وقليلاً في الفن التشكيلي الذي يحبه، كما سعدت بالاقتراب منه ومن أسرته العزيزة، وهو يخوض معارك، ويتجاوز أزمات، والاحتفال بمناسبات سعيدة.

وعلى مر هذه السنوات، وجدته غير قابل للتصنيف.. وفقاً للفئات السياسية التقليدية، فهو قائد حركة استقلال الجامعات المصرية قبل ثورة يناير.. دفاعاً عن حرية الطلاب والأساتذة.. أياً كانت اتجاهاتهم وانتماءاتهم.

وهو في طليعة ثورة يناير، آملًا في وضع مصر على مسار العدالة والكرامة والحرية. وهو مؤسس أول حزب مصري يرفع شعار «الديمقراطية الاجتماعية».. سعياً لتحقيق العدالة، لكن دون مخاصمة آليات السوق، ودون التضحية بالحريات والديمقراطية.

وهو المدافع الصلب عن المواطنة والمساواة، دون تردد أو تنازل لأنها عنده عقيدة لا تهتز.

وهو المتمسك بمدنية الدولة، فكان – مرة أخرى – في مقدمة صفوف ثورة يونيو حينما باتت هوية مصر مهددة بالاختطاف والتشويه، ثم أحد ممثلي التيار المدني في لجنة الخمسين التي كتبت دستورنا الحالي.

وهو المناصر لحقوق الشعب الفلسطيني.. دون أن يكون قومياً أو ناصرياً، ولمصالح الفقراء والمحتاجين.. دون أن يكون يسارياً، والمنحاز للاستثمار الخاص والحرية الاقتصادية.. دون أن يكون يمينياً.

فبماذا تصنفون هذه «الخلطة» الفريدة؟

… شخصياً، اخترت لها وصف «الإنسانية».. لأنها تضم كل ما سبق، كما تعبر عن الحالة القلقة التي يعيشها أصحاب هذا الاتجاه؛ القلق من السكون والراحة، ومن سطوة الأفكار التقليدية، ومن التقاليد البالية، ومن خفوت وتيرة السعي لما يحقق التقدم الإنساني.

وفي ذات السياق، جاءت كتابات الدكتور أبوالغار.. معبرة عن اهتماماته ومخاوفه الإنسانية. (وأقصد بالطبع كتاباته غير الطبية). فقد كتب فيما جرى لليهود المصريين – الذين كانوا جزءاً من النسيج الوطني واضطروا للهجرة نتيجة للصراع العربي الإسرائيلي – وعن الجنود المصريين – الذين تم الزج بهم في حروب بعيدة في القرن التاسع عشر – وعما فعله وباء القرن الماضي بالناس، وعن مسيرة وتطور الفن المصري الحديث. أما مقالاته الأسبوعية.. فصرخة استغاثة أو تقدير أو رثاء أو تكريم أو رفض.. دائماً بذات الحماس، والإخلاص، والقلق، والمشاعر الفياضة.

لكن الانتماء لمدرسة الإنسانية.. له أيضاً تكلفة باهظة، فالمخلصون لها – كالدكتور أبوالغار- يجدون أنفسهم غالباً في موضع المعارضة، لأن هناك دائماً ما يستحق التصحيح. ولا يستريحون في الانتماء للأحزاب أو الجماعات أو الأعمال التنظيمية، لأن طبيعتهم لا تستجيب للقوالب الجامدة. ولا يسكتون أو يستريحون، لأن مسيرة الارتقاء بالإنسان لا تتوقف أبدًا.

وأظن أن الدكتور أبوالغار.. قد عانى من هذه المصاعب، ودفع ثمنها، لكن لا شك أن محبة الناس وتقديرهم، والتفافهم حوله.. قد عوضه عن ذلك وزاد بكثير.

■ ■ ■
الدكتور أبوالغار، حصل من قبل على العديد من الجوائز العربية والعالمية، وتم تكريمه من مختلف البلدان والجامعات والجمعيات، ومكانته عند أصدقائه ومرضاه ومن تعاملوا معه.. تفوق كل ذلك.

ولكن – مع ذلك – أتصور أن تكريم أي شخص من وطنه، ومن مؤسساته العلمية الرصينة، يظل ذا وقع ومكانة.. أعمق من أي تكريم آخر.

نقلاً عن «المصري اليوم»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.