نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب

هز القحوف!

أحمد الجمال
أحمد الجمال

أحمد الجمال

يقولون – وبعضهم من أهل الدراية المعرفية والعلمية – إن ما يُكتب عن الريف المصري خاصة.. وعن بعض مناطق عمق مصر الجغرافي والتاريخي والاجتماعي، يدخل في نطاق التاريخ الاجتماعي أو الاجتماع التاريخي، وإن استدعاء ذكريات تضم علاقات الإنسان بالآخرين وبكافة مفردات البيئة من حوله كمجالات النشاط الإنتاجي، وأدوات المهن المختلفة، ومصطلحات تلك الأنشطة، والأمثلة العامية والحكايات والطرف والأساطير وغيرها، هو من صميم الحفاظ على التراث الوطني، الذي يضم جوانب مادية وأخرى غير مادية.

وفي هذا السياق أذكر كتاباً.. سمعت عنوانه واسم مؤلفه لأول مرة فيما أنا طالب دراسات عليا عام 1971، يحضر جلسات سيمنار التاريخ الحديث والمعاصر بقسم التاريخ آداب عين شمس – وهو اللقاء العلمي الأسبوعي الذي أسسه وترأسه لسنوات طويلة، إلى أن رحل، أستاذي الكبير، الدكتور أحمد عزت عبدالكريم – وأذكر أن من تحدث عن الكتاب هو طالب الدكتوراه آنذاك – الأستاذ الدكتور فيما بعد – عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم؛ الذي دفعه أستاذنا ليتخصص في التاريخ العثماني بمصر، ويبدو أنه وجد مخطوطة الكتاب.. أثناء جمعه مادة بحثه العلمية، وكان عنوان الكتاب هو «هز القحوف في شرح قصيدة أبي شادوف»، والمؤلف هو الشيخ يوسف بن محمد بن عبدالجواد بن خضر الشربيني.

والمقصود بأبي شادوف هو الفلاح المصري.. الذي تفنن الشيخ الشربيني في التنكيل به إنسانياً وأخلاقياً وعقلياً ونفسياً وسلوكياً ومن كل جانب. ورغم أن غلاف المخطوطة لا يحمل تاريخاً، إلا أن بعض صفحاتها يوحي بأن صاحبها كتبها في القرن الحادي عشر الهجري، وقدّم لها بكلام يبدؤه بـ: «يقول العبد الفقير إلى الله فلان ابن فلان – وذكر اسمه كاملاً – إن مما مر عليه من نَظْم الأرياف.. الموصوف بكثافة اللفظ بالأخلاق المشابه في رصه لطين الجوالس – جمع جالوس، وهو كتلة طينية يحملها الفلاح بيديه – وجرى ذكره في بعض المجالس قصيد أبي شادوف».

وبعد ذلك تحفل المخطوطة – الموجودة الآن في مكتبة الإسكندرية تحت رقم تصنيف 8927 – بما لا يمكن تلخيصه في مقال صحفي، اللهم إلا إذا اقتبسنا أجزاء بنصوصها بين مقال وبين آخر.

ولذلك يبدو أنني – بأصولي الفلاحية المباشرة – جنحت غريزياً للكتابة المكثفة عن ريفنا وأهالينا الفلاحين، الذين «طلّع» فيهم الشيخ الشربيني القطط الفاطسة لأحاول – مثلما حاول غيري من كُتاب ومؤرخين وأدباء قاصين وروائيين – أن نقدم صورة مختلفة؛ لا نسعى بها لتحسين ما طمسه أمثال الشربيني.. بالسواد والسخرية والاتهامات البشعة، لدرجة أنه في سطوره.. وصفهم بالبهائم لكثرة عشرتهم بالحيوانات.

وأقول خسئت يا شربيني، ولذلك سأمضي في استكمال ما وعدت به في المقال الفائت حول موكب شراء الكسوة للعائلة الجمالية، حيث كان ينطلق الركب من القرية إلى الطريق الممتد من طنطا إلى بسيون إلى دسوق، وهو يبتعد عن الدار بحوالي كيلومتر ونصف الكيلومتر، وفيه محطة المواصلات العامة التي كانت تقتصر على أتوبيس يسمونه الكابوري، لأن صاحب الشركة المالكة لهذه الوسيلة كان اسمه كافوري مثلما كانت شركة أخرى اسمها أبورجيلة.

وكان يمر في اليوم مرة واحدة وأحياناً لا يمر، وخاصة في فصل الشتاء عندما يتحول تراب الطريق إلى كتل من الوحل فيضطر الناس إلى السفر على أقدامهم أو على ظهور الحمير والجمال، وأحياناً كانوا يعبرون الترعة الكبيرة المجاورة للطريق ليركبوا قطار الدلتا الذي كانت له شبكة في الوجه البحري وتم إلغاؤه فيما بعد.. وللحديث صلة.
نقلاً عن «المصري اليوم»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.