نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / تأملات في أحداث روسيا (2/2)

تأملات في أحداث روسيا (2/2)

د. أحمد يوسف أحمد
د. أحمد يوسف أحمد

د. أحمد يوسف أحمد

 ركزت المقالة الماضية على تأثير تمرد ڤاجنر.. على الأداء الروسي في الحرب الأوكرانية، وكان أوضح أبعاده.. حرمان المجهود الحربي الروسي من القوة العسكرية لڤاجنر، التي لعبت دوراً مهماً قبل ذلك في القتال؛ اللهم إلا إذا نجحت جهود دمجها في القوات المسلحة الروسية، وهي عملية بالغة التعقيد ومحفوفة بالمخاطر. كذلك فإنني لا أصدق ما يُقال في بعض الدوائر.. من أن العملية كلها لا تعدو أن تكون سوى مسرحية.. أبطالها الرئيس الروسي والبيلاروسي وقائد ڤاجنر، والغرض منها فتح جبهة جديدة في الحرب.. من الحدود بين أوكرانيا وبيلاروسيا، تضطلع منها ڤاجنر بمهام قتالية ضد أوكرانيا، وذلك لأن ما حدث لم يكن تمثيلية، وإنما مواجهة حقيقية.. سقط فيها قتلى، وإن بقيت التسوية السريعة للأزمة لغزاً.

وكان التحليل في المقالة الماضية.. قد ركز على آلية التحول الداخلي لتسوية الصراعات أو حلها؛ بمعنى أنه عندما يصل صراع ما إلى حالة من التجمد – بمعنى غياب قدرة أي من أطرافه على حسمه في مرحلة ما – فإن حدوث تحول داخلي.. في أي من طرفي الصراع، يمكن أن يُفضي إلى تسويته.. أو حتى حله، إذا انطوى هذا التحول على تغيير في أهداف الطرف الذي شهد التحول الداخلي، وكنت قد كتبت في صحيفة «الاتحاد» – بتاريخ 7 فبراير 2023 – مقالة بعنوان «حلقة التصعيد المفرغة»، رأيت فيها أن هذه الحلقة لن تُكسر.. إلا بإعادة حسابات يقوم بها أحد طرفي الصراع أو كلاهما. وهو احتمال مستبعد.. نظراً لاتصال أهدافهما في الصراع بقيم وطنية عليا، أو بتحول داخلي في أي منهما، لا نملك مقومات التنبؤ به، وهي الإلمام الكامل – أو المعقول – على الأقل.. بتفاصيل الأوضاع الداخلية فيهما، وإن كان من الأمانة الاعتراف بأن أوكرانيا – وليست روسيا – كانت هي الماثلة في ذهني.. عند طرح هذه الفكرة، ليس لأن أوكرانيا أقل تمسكاً بأهدافها الوطنية من روسيا، وإنما لأن بنيتها الأساسية واقتصادها.. كانا الأكثر تضرراً في القتال، وربما دفعني لهذا الاعتقاد أيضاً، بعض المؤشرات على أن قبضة الرئيس الأوكراني على الأوضاع في بلاده.. أضعف من نظيره الروسي، لكن ما حدث من تطورات داخلية بدأ بروسيا.. وهو درس لجميع المحللين وصناع القرار، بألا يهملوا التحسب لجميع السيناريوهات المستقبلية.. حتى الأقل احتمالاً منها.

الواقع، أن الخبرة الماضية عن أثر التحولات الداخلية على تسوية الصراعات وحلها.. ثرية، وأكتفي في هذا الصدد بمثالين شديدي الدلالة؛ وهما ما حدث في فرنسا في أواخر خمسينيات القرن الماضي إبان حرب التحرير الجزائرية، وفي البرتغال عام 1947 في ظل احتدام الصراع بين السلطات البرتغالية وحركات التحرر في مستعمراتها الإفريقية.

ففي فرنسا كان استياء قادة الجيش قد بلغ ذروته.. مما اعتبروه عدم كفاءة الدعم الحكومى للجهود العسكرية، ورأوا أن هزيمة أخرى – كهزيمة الهند الصينية في 1954 – تلوح في الأفق، وأن ديجول هو المُخَلِّص الوحيد لفرنسا؛ فاتخذوا من الإجراءات ذات الطابع الانقلابى.. ما أفضى بالجمعية الوطنية الفرنسية للموافقة على عودة ديجول للحكم، غير أن الرجل – برؤيته الإستراتيجية الثاقبة – سلم باستقلال الجزائر.. بعد أقل قليلاً من 4 سنوات.

وفي البرتغال، وقع انقلاب عسكري في أبريل 1974، لقي تأييداً شعبياً غامراً، وأسقط النظام الاستبدادي، ووضع نهاية لحروبه الاستعمارية.. بعد أن كان متشبثاً بالاحتفاظ بالمستعمرات، رغم ضراوة المقاومة التي أبدتها حركات التحرر في تلك المستعمرات. والفكرة العامة، هي أن التكلفة المادية والبشرية والمعنوية للحروب، تُحْدِث ضغوطاً داخلية قد تُفضي لتغيير في نظم الحكم المنخرطة في تلك الحروب، ينعكس بدوره على تغيير النظرة للحروب، وإبداء الاستعداد لتسويتها وحلها.

واللافت أن الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين – الذي يوصف بأنه عقل بوتين – قد وضع التمرد في هذا السياق، مستشهداً بالتحولات الداخلية في روسيا.. التي أفضت للثورة البلشفية 1917 عشية هجوم الربيع، الذي كانت القوات الروسية تنوي شنه في الحرب العالمية الأولى، وأدت الفوضى التي سادت لاحقاً.. إلى اضطرار لينين لتوقيع معاهدة مُذلة لإنهاء الحرب، ولذلك اعتبر التمرد تطوراً خطيراً.

إذا سلمنا بأن التمرد الذي حدث في روسيا، يمثل تحولاً داخلياً.. يمكن أن يؤثر على الأداء الروسي في الحرب الراهنة، فما هي سيناريوهات هذا التأثير؟

من الواضح أنها لن تأخذ – على الأرجح – شكل ضغوط من أجل التهدئة، أو التخلي عن أي من الأهداف الروسية في الحرب. وقد رأينا في المقالة الماضية ما يُسمى منتدى الوطنيين الغاضبين. وبغض النظر عن ثقله العددي، فإنه معزز بشعور متجذر بالوطنية الروسية، زادته قوةً المرارة التي نجمت عن تفكك الاتحاد السوڤيتي، والتردي الذي أصاب روسيا بعده، والإذلال الذي طالها قبل ظهور بوتين. وبالتالى، فإن المرجح أن تكون الضغوط المستقبلية.. باتجاه الانضباط وتحسين الأداء، وليس التخلي عن الأهداف أو إبداء المرونة بشأنها. ولا يمنع هذا من حدوث تحركات شعبية معادية للحرب، ولكنها – أغلب الظن – ستكون محدودة.

أما احتمالات حدوث انقلاب من داخل المؤسسة العسكرية.. فهي صعبة للغاية، لأن هذا الانقلاب إما أن يكون ضد الاستمرار في الحرب، وهذا شبه مستحيل.. لأنه سيوصم بالخيانة، أو ضد بوتين. ورأيي أن ذلك مستبعد في الأمد القصير، لأن العسكريين الروس يدركون مدى تعقد المواجهة.. بسبب الدعم الهائل من قِبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية لأوكرانيا. ولذلك فإن تدبير انقلاب بهدف تحسين الأداء لن يكون عملاً رشيداً.

وقد يُعزز هذا، أن الأداء الروسي على جبهات القتال.. لم يتأثر حتى الآن، بل يبدو – من متابعة التقارير الأخيرة – أن ما يُسمى الهجوم الأوكراني المضاد.. لم يحقق حتى الآن أي اختراق استراتيجي، وأن أوكرانيا تتكبد فيه خسائر فادحة، وأن ثمة مؤشرات على أن القوات الروسية.. بدأت تبادر بعمليات هجومية في مواجهته، ناهيك بمواصلة الرئيس الأوكراني انتقاداته لأداء حلفائه في مساعدته.. رغم كل ما تدفق عليه من دعم.

وقد نذكر ما قيل – عند تزويد أوكرانيا بالمدرعات الأمريكية والبريطانية والألمانية ومنظومات الصواريخ المتقدمة – من أن ذلك سوف يحقق الحسم في ميدان القتال، وهو ما لم يحدث حتى الآن. وأخيراً، فإن تمرد فاجنر قد صرف الانتباه تماماً.. عن أي تحولات داخلية محتملة في أوكرانيا، ورأيي أنها مازالت ممكنة، وإن كان لا شك في أن التمرد قد جعلها أقل احتمالاً، بسبب إحيائه الأمل في تراجع الأداء الروسي، ومن ثم تحقيق أوكرانيا النصر، والله أعلم بهذا الموقف بالغ التعقيد.

نقلاً عن «الأهرام»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.