نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / الحياة الرقمية وثقافة الانطباعات السطحية

الحياة الرقمية وثقافة الانطباعات السطحية

نبيل عبدالفتاح
نبيل عبدالفتاح

نبيل عبدالفتاح

 قبل الثورة الرقمية، كانت الآراء حول الأحداث التاريخية والسياسيين والزعماء، تعتمد على مقاربات الكُتَّاب والمؤرخين أو بعض السياسيين لهذا الحدث أو ذاك، ورصد المعلومات المتاحة حوله من المصادر التي يعتمد عليها الكاتب والمؤرخ أو الصحفي أو المثقف في عرضه للحدث وأهميته في مسار المرحلة التي يتحدث عنها، وكان هناك عديد من المقاربات، تتمثل فيما يلي:

أولاً: المقاربة الوصفية.. التي تعتمد على رصد الوقائع السياسية أو الاجتماعية أو الدينية أو المذهبية أو القومية أو العرقية أو الفردية أو الجماعية، التي شكّلت الحدث التاريخي، ويتم عرضه عبر الصحف والمجلات – على نحو ما حدث بعد ظهورها – أو بعض الوثائق الرسمية المعلنة أو السرية المكتشفة، أو شهادات بعض الفاعلين في الحدث التاريخي، أو الآراء المختلفة التي قيلت من بعضهم، وتقييمهم له.

في المقاربة الوصفية، قد يكون الكاتب أو المؤرخ محايداً في عرضه للحدث، أو متحيزاً.. من خلال عرضه الوصفي لوقائع الحدث، أو موضوعياً نسبياً.. من خلال عرض الآراء المختلفة، وترك المجال للتقييمات السياسية والتاريخية للقارئ. الكتابة الوصفية تنطوي على سرود للوقائع، وكانت شائعة، خاصة من بعض المؤرخين، وشكّلت مصدراً من مصادر الكتابة التاريخية، التي يعتمد عليها الكاتب كمصدر من مصادره.

المقاربة الثانية: الكتابة التاريخية المتحيزة التي ذهب إليها بعض المؤرخين.. من خلال عرض الحدث، ومصادره المتعددة، الأصلية والثانوية، والوثائق الرسمية حوله إن وُجدت، أو آراء بعض الفاعلين في الحدث التاريخي؛ في كتاباتهم عنه، أو مذكراتهم، أو في المصادر الصحفية، أو الكتب التاريخية، ومثالها كتاب «وصف مصر» الذي أصدره علماء الحملة الفرنسية، أو كتابات الجبرتي… إلخ. هذا النمط من المقاربات التاريخية.. شكّل حالة في كتابات التاريخ المصري، خاصة في المراحل التي سادت منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى الآن.

غالباً ما تشوب هذه المقاربة بعض أحكام القيمة الأخلاقية والآراء الأيديولوجية والدينية المرسلة، ولا يُنتج بعضها معرفة أو وعياً تاريخياً، وتفتقر للموضوعية.

المقاربة الثالثة: الكتابة التاريخية الاحترافية المنهجية التي تعتمد في تأريخها وتقويمها للأحداث.. على الموضوعية، وذلك من خلال اختيار منهج تاريخي في معالجة الأحداث التاريخية، وفق السائد في الدراسات التاريخية في التقليد المنهجي العالمي في دراسة التاريخ؛ بما فيها التاريخ الشفاهي، وتاريخ الأدب، ومدارس مختلفة مثل التاريخ الاجتماعي، ومدرسة الحوليات الفرنسية، وغيرها من المناهج، وتطبيقها، وإدخال تعديلات في المنهج.. حتى يكون ملائماً وقادراً على التعامل الفعال والكفء مع الحدث التاريخي، ويدفع نحو تقييم موضوعي للحدث التاريخي.

الموضوعية – في أحد أبعادها – أن يعلن المؤرخ تحيزاته. وسواء أعلن عنها، أو حاول إضمارها، سيتم اكتشافها من توظيفه للمنهج، وعرضه للوقائع وتقييمها، ومدى اعتماد رأيه على بنية معلوماتية دقيقة وموثقة، وقدرته التحليلية على ردم الفجوات الغامضة في الحدث.

كانت هذه المقاربات غالبة، حتى هيمن التاريخ الرسمي السلطوي.. على مقاربات تاريخ كل بلد عربي بعد الاستقلال، وفرضت الطبقات السياسية الحاكمة.. تصوراتها المتوهمة والمتخيلة والحقيقية في نظرتها الأحادية لتاريخ كل بلد.

ما نتائج هذا التوجه في كتابة التاريخ السلطوي؟

اضطراب الرؤية لدى المواطنين.. حول تاريخ بلادهم وتشوشها، وأدى ذلك إلى غياب الوعي التاريخي، وشيوع الخرافات والمرويات غير الموضوعية، والأحكام القيمية والأخلاقية في تقييم الأحداث التاريخية. أزمة الوعي التاريخي والثقافة التاريخية واللاموضوعية جزء من الطقوس السنوية في المنطقة العربية… إلخ! حالة من الفوضى والانطباعات السطحية السانحة، والتقييمات التي لا سند لها من الوثائق، والكتابات التاريخية.

يرجع ذلك لما يلي:

  • التوظيف الأيديولوجي والسياسي للحدث التاريخي.. للتعبير عن موقف الكاتب، أو الناشط، أو الباحث، دونما موضوعية أو منهجية.
  • ضعف الثقافة التاريخية لدى من يعملون بالسياسة، والنشطاء والمتعلمين، وغالباً من يطلق عليهم مجازاً «المثقفون».
  • خلط بعضهم بين التاريخ ووقائعه، وبين بعض السرديات الروائية حول بعض الشخصيات التاريخية وعصرها، وبين الأوضاع المعاصرة.

هذه هي حالة الوعي التاريخي والثقافة التاريخية المأزومة في المنطقة العربية، ومثلها أيضاً الكتابة عن القومية العربية، أو ضدها؛ حيث تسود الآراء الأيديولوجية الجامحة حولها، بل وحول العروبة الثقافية… إلخ.

ما أثر الحياة الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي على الوعي التاريخي؟

أدت الثورة الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي.. إلى شيوع وهيمنة خطابات السطحية، والتفاهة، والانطباعات المرسلة.. من الجموع الرقمية الغفيرة.. حول تاريخ بعض الدول العربية. ففي عصر الجموع الرقمية الغفيرة، كل شخص يريد أن يتكلم، وهذا حقه، لكن ذلك يحدث – في الغالب – دونما معرفة، أو علم أو موضوعية أو حتى معرفة بالكتابة ذاتها!

من هنا، لا نجد – إلا قليلاً ونادراً – مقاربات منهجية إلا بين بعض الباحثين، وغالباً لا توجد إلا في دراسات منهجية، أو كتب تاريخية وسياسية.

نقلاً عن «الأهرام»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.