نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / النخب المنعزلة والصراع على الهوية

النخب المنعزلة والصراع على الهوية

نبيل عبدالفتاح
نبيل عبدالفتاح

تبدو لغة الخطابات السياسية والثقافية، وفي مجال العلوم الاجتماعية.. سائلة، وغير منضبطة، وتفتقر إلى الدقة، ومتضخمة بالتعميمات المفرطة، والفوضى الاصطلاحية، والاستخدام الإنشائي في بلاغة اللغو والثرثرة. من هنا لا نجد أصولاً منهجية في التعامل مع مشكلاتنا الموروثة أو المستجدة في غالب المجالات، ومنها الثقافة.

خذ، على سيبل المثال، تحوُّل سؤال الهوية اللاتاريخية.. إلى موضوع للصراع، وهو سؤال طرحته الجماعات الإسلامية والسلفية، وكأن الهوية معطى تاريخي وعابر للأزمنة وتحدد سلفاً وفق ديانة الأغلبية، بينما وُجد المصطلح ذاته، وتطوراته.. منذ النصف الأخير من عقد الأربعينيات من القرن الماضي، وأن الهوية هي تعبير عن تغيرات تقنية وعلمية وثقافية ودينية ورمزية وسياسية واقتصادية.. مستمرة في تحولاتها عبر المراحل التاريخية، ويبدو لبعضهم أنها موضة من الموضات الفكرية، ولكل رأيه، دونما درس نظري، وتطبيقي، وأبحاث ميدانية… إلخ!، وبعضهم يعتبرها أمناً قومياً، وهو أمر بالغ الغرابة، أدى إلى بعض من الفوضى في الخطاب حول مشكلات الثقافة المتراكمة، التي شكلت – تاريخياً – قوتها الثقافية والرمزية.. كإحدى أدوات نظام السياسة الخارجية المصرية فى الإقليم!

خطاب التمجيد الذاتى حول ثقافتنا ومركزيتها بات بالغ الخطورة، لأنه يحاول إخفاء المشكلات والسلبيات، بديلاً عن التصدى لها، في ظل بعض من الازدهار النسبي في بعض المراكز الثقافية العربية في المنطقة المغاربية؛ لا سيما في العلوم الاجتماعية، وفي الفنون، والأدب. من هنا بعض الخطاب اللاعلمي واللاتاريخي عن الهوية بالغ الخطورة، لأن القلة ممن يطلق عليهم مجازاً النخبة تساهم من حالة في الصراع على الهوية القومية للمصريين! بينما القوى الاجتماعية الشعبية بعيدة تماماً عن صراعات بعضهم! 

خطورة ربط مشكلات تجديد القوة الثقافية المصرية، تتمثل في أن هؤلاء فرضوا ستاراً من التعمية والغموض.. على ضرورة التحديد المطلوب للمشكلات، سعياً وراء المحل!

إحدى أخطر مشكلات النزاع على هوية مصر والمصريين في السبعينيات.. توظيف الدين في الصراع السياسي مع المعارضة. من هنا استخدام الدستور كأداة في تديين الدولة، وانحيازها – من خلال النص على أن الشريعة مصدر من مصادر التشريع – وعقب «كامب ديفيد» قام السادات بتعديل دستوري نص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. من هنا تلاعبت الطبقة السياسية الحاكمة والموالون لها بالدين في الخطاب السياسي الرسمي، وكذلك الجماعات الإسلامية السياسية، والسلطة الدينية التابعة، على نحو أدى إلى تديين المجال العام.

الأخطر.. توظيف الدين في السياسة التعليمية، وفي المناهج المقررة التي تم تعديلها لكي تتوافق مع الخطاب السياسي الديني الرسمي، وهو ما فتح الباب لجماعة المدرسين في جميع مراحل التعليم، لكي يتحول غالبهم إلى دعاة دينيين داخل الجسم التعليمي المصري، من خلال الدرس حول الدرس، وتديين المناهج المقررة المعدلة أصلاً، وذلك بالنظر إلى هيمنة الحفظ، وليس ثقافة السؤال وتكوين العقل النقدي لدى الطلاب. 

أدت ثقافة الإجابات سابقة التجهيز إلى تشكيل العقل الاتباعي لدى الطلبة.. المحمول على حفظ المقررات، ولغة التعميمات الدينية، والحلال والحرام في مجالات التعليم المختلفة، وفي مناهج لا علاقة لها بالثنائيات الضدية الدينية!

من الشيق، ملاحظة أن خطاب الهوية السياسي الديني.. حاول تسكين الهوية المصرية في مراحل دينية محددة، وإسنادها إلى تاريخ نشأة الدعوة المحمدية للرسول الأكرم «صلى الله عليه وسلم»، وإعطائها تحديداً دينياً عابراً للتاريخ.. حول مصادر الشريعة الإسلامية، وتشكلها التاريخي من خلال أصول الفقه، وهو تخصص وضعي، من جماع الإنتاج الفقهي لكبار فقهاء الشريعة، والتابعين، وتابعي التابعين.

مسألة الهوية الدينية الرسمية للدولة في العهود السابقة، أدت إلى السماح للجماعات الإسلامية السياسية والسلفية بالتمدد القاعدي.. وسط الجموع الشعبية الغفيرة في الأرياف والمدن المريفة كنتاج للهجرة من الريف إلى الحضر المشوه؛ بحثاً عن الرزق! تم ترييف وتديين المجتمع، وهو ما أدى إلى ظواهر التطرف والعنف الديني من الجماعات الإسلامية الراديكالية، وممارسة بعضها للإرهاب. ثم انتشار ظواهر العنف الديني المادي والرمزي، وتديين اللغة ونظام الزي والعلامات الدينية في الحياة اليومية.

من الشيق أيضا، ملاحظة أن مصطلح الهوية ظهر في الأدبيات السوسيولوجية والأنثربولوجية النظرية.. في النصف الثاني من عقد الأربعينيات من القرن الماضي، وليس مصطلحاً تاريخياً نشأ مع الأديان السماوية! على نحو ما يشاع في خطاب الهوية الديني المغلق واللاتاريخي.

هل العولمة أدت إلى التأثير السلبي على الهويات؟ 

الإجابة لا. لأن عمليات العولمة والرقمنة، أدت إلى حماية اللغات والهويات المختلفة للجماعات والمكونات الصغيرة، والقول إنها أدت إلى أزمات.. يمثل المرحلة الأولى من الخطاب النقدي للعولمة، وتم تراجع الثقات عن هذا النقد.. الذي ثبت عدم دقته سياسياً، ونظرياً وتطبيقياً! 

إن أزمات الصراعات على الهوية داخلية أساساً، خاصة في ظل مرحلة التحول إلى ما بعد الحداثة والمابعديات؛ حيث انتشر التشظي، والتفكك، وهيمنة النزعة الفردية، وفشل سياسات الاندماج والتكامل الداخلي في العالم العربي.

الهوية.. جدل بين بعض الثوابت والمتغيرات والتحولات، وبين حركة الإنتاج، والتكنولوجيا، والمعرفة، ونظام اللغة… إلخ، ومن ثم هي متغيرة ومركبة. من ثم محاولة تبسيطها إلى شعارات.. تعكس نمط تفكير سائداً خارج العلم. الأخطر أن بعضهم يحاول بناء تصورات عن الهوية المركبة.. في تبسيطات لا علمية، وهو أمر شائع وسائد، وتلاعب بالهوية من نخب منفصلة عن الجموع الشعبية الغفيرة وعن قواعد اجتماعية، وعن التطور المعرفي في عالمنا، بينما تتشكل الهوية وتتغير.. من مرحلة تاريخية لأخرى في هويات العالم المتغيرة!

نقلاً عن «الأهرام»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.