نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / العقل البيروقراطي العربي

العقل البيروقراطي العربي

نبيل عبدالفتاح
نبيل عبدالفتاح

ظلت البيروقراطية، والتكنوقراطية، والعقل الأداتي التابع.. علامات على التراجع العربي.. ما بعد الاستقلال، وذلك لعديد من الاعتبارات يأتي على رأسها ما يلي:

– نسخ الطابع البطريركي والنيو بطريركي في هيكل النظام السياسي وسلطاته، في الهياكل البيروقراطية، من حيث سطوة معايير الموالاة، إلى العلاقات داخل هيكلية الأجهزة البيروقراطية، على نحو أدى إلى تفشي الفساد الهيكلي، وظواهر فساد الموظفين العموميين، والمداراة، والتواطؤات فيما بين بعضهم البعض. من ناحية أخرى شيوع الكسل في أداء الوظائف المنوطة بهم، وتحويل الخدمات العامة إلى سلعة في سوق الرشى، وأيضاً اختلاس المال العام!

– الضغوط التي تمارسها البيروقراطية من أجل رفع الرسوم على الخدمات التي تقدمها بدعوى رفع كفاءة الخدمة وتعظيم عوائد الدولة وأجهزتها المالية، وذلك لرفع نسب المكافآت التي يحصل عليها كبار الموظفين العموميين ومتوسطيهم وصغارهم في بعض الدول العربية.

– إعاقة الأجهزة البيروقراطية العربية برامج التدريب وإعادة التأهيل لتطوير الكفاءة والأداء في مختلف التخصصات، وتحويل هذه البرامج ذات التمويل الدولي إلى أداة للحصول على مكافآت مخصصة للمشاركين فيها!

– بطء عمليات التحول إلى الحوكمة والرقمنة، باستثناء قلة قليلة من الأجيال الشابة، التي دخلت عوالم الحياة الرقمية قبل الالتحاق بالوظيفة العامة! من أبرز هذه الأمثلة على عدم الكفاءة الرقمية ادعاء كثافة الضغوط على الواقع الرقمي، وتعطل الشبكات في مجال العمل المصرفي في بعض الأجهزة البيروقراطية والبنوك العربية! وهو نمط من السلوك البيروقراطي المراوغ من أعمال يُفترض أنها الأكثر رقمنة من غيرها، والأقدم في هذا المجال!

– إعطاء بعض البيروقراطيات العربية بيانات غير دقيقة.. في مجال تخصصها؛ خاصة في الأجهزة التعليمية، والصحة، وهو ما يمثل سمت السلوك البيروقراطي التبريري، على نحو ما ظهر أثناء وباء كورونا المتحور، وكشفته أزمات – بل انهيارات – بعض هذه الأنظمة الصحية والتعليمية.

– كثافة أعداد الموظفين العموميين والعمال في أجهزة الدولة البيروقراطية، بما لا يتناسب مع الأمكنة المخصصة للعمل، والمطلوب منهم، على نحو شكّل عبئاً على ميزانيات الدول، مع بطء وعدم كفاءة الأداء، والصراعات البيروقراطية.

– تعطيل بعض الأجهزة البيروقراطية لبعضها البعض في بعض الأعمال، على نحو يؤدي إلى تناقضات واضطراب في أداء أجهزة الدولة. من هنا تحول كثير من الأجهزة البيروقراطية إلى عبء ثقيل على صُناع القرار السياسي العربي، بمن فيهم ذوو الاتجاه إلى التجديد والتطوير للدولة وأجهزتها المختلفة، ومجاراة التحول نحو الرقمنة! من ناحية أخرى مدّ صُناع القرار السياسي في بعض الدول العربية بتقارير غير دقيقة في بعض الأحيان، على نحو يؤدي إلى إصدار قرارات سياسية قد تفتقر إلى السند المعلوماتي والتحليلي الدقيق، ما دفع بعض مؤسسات التمويل الدولية إلى إبداء اعتراضاتها على الإحصاءات والمعلومات غير الدقيقة، واعتمادها على البحوث والدراسات التي تجريها من خلال بعض المتخصصين عن أوضاع هذه البلدان كي تضع سياساتها تجاه هذه الدولة أو تلك، والسماح لها بالاقتراض أو تقديم المساعدات المالية والفنية (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي على سبيل المثال). من ناحية أخرى لا تعتمد بعض هذه الأجهزة البيروقراطية العربية على الباحثين المتخصصين، ولا تقدم لهم المعلومات والبيانات اللازمة، على نحو يجعلهم يلجأون إلى بيانات جهات التمويل الدولية كمصدر محمول على الثقة في تحليلاتهم الاقتصادية أو الاجتماعية في بعض الملفات!

لا شك أن العقل البيروقراطي الأداتي أصبح أحد مصادر التراجع العربي المركب، خاصة بعد أن حمل معه العقل الديني النقلي الاتِّباعي الوضعي، الذي يوظف المقولات الدينية والطقوس واللغة الدينية في تبرير الكسل، أو التغطية على الرشاوى واختلاس المال العام، واستخدام بعضهم للصلاة في تعطيل العمل والخدمة المقدمة للمواطنين!

النزعة النقلية الدينية الوصفية تداخلت مع الموروث البيروقراطي النقلي من الخبرات، وأساليب العمل البطيء، ورفض التجديد ومقاومته، وإقصاء مَن يطالبون به!

لا شك أن الجمود والكسل والبطء والرتابة في السلوك والأداء البيروقراطي في بعض الدول العربية تشكل عائقاً كبيراً من عوائق تحقيق التقدم، خاصة في ظل تسارع الرقمنة وتطبيقات الذكاء الصناعي، وحلول بعض الروبوتات محل عديد من الأعمال التي باتت أسواق العمل لا تحتاج إليها، وسيخرج 50 مليون عامل وموظف خارج أسواق العمل – 2030 – ولا يمكن إعادة تأهيلهم مرة أخرى، ومن ثم سيعتمدون على نظم الضمان الاجتماعي!

ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في المزيد من ابتعاد بعض الموظفين العموميين والعمال عن أداء أعمالهم أثناء وقت العمل، ومشاركتهم في المنشورات والتغريدات والصور، والأهم أن الهاتف النقال بات أداة في أيدي المواطنين للرقابة على بعض أداء البيروقراطية، من خلال تصويرهم في أوضاع لا علاقة لها بالعمل وحسن أدائه!

لا شك أن تخلف بعض الأجهزة البيروقراطية العربية بات يشكّل عقبة إزاء القطاع الخاص ورجال الأعمال الذين يستخدمون الأجيال الشابة التي تجيد الرقمنة في أداء أعمالهم، وذلك في مواجهة بيروقراطية متضخمة بطيئة الأداء تعطل بعض المشروعات التي يقوم بها القطاع الخاص وشركاته. تحولت بعض البيروقراطيات العربية إلى عقبة وعبء ثقيل على صانع القرار السياسي عند القمة، وخاصة بعض الوزراء القادمين من المصدر البيرو- تكنوقراطي، سواء في الميزانيات التي تحولت إلى أجور ومكافآت، بحيث لا يتبقى الكثير لأداء الخدمات العامة.

من هنا نستطيع القول إن العقل والجسد البيروقراطي الضخم وغير الكفء بات يحتاج إلى تطوير جذري!

نقلاً عن «الأهرام»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.