نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / ثقافة الانكشاف والفضائح في الحياة الرقمية

ثقافة الانكشاف والفضائح في الحياة الرقمية

نبيل عبدالفتاح
نبيل عبدالفتاح

حالة من الهذيان، والفوضى، والثرثرة، والفضائح، والجرائم، تشكل تعبيراً عن أثر الثورة الرقمية، وتغيراتها الكبرى.. على أنماط الحياة المعيشية في المجتمعات العربية!

طوفان من المنشورات، والتغريدات، والصور.. على مواقع التواصل الاجتماعي، وغالبها يعكس الحالة السوسيو-نفسية الانكشافية لعشرات الملايين، وقلة قليلة منهم.. تعتصم بالجدية، وبعضهم.. اتخذ من الفضاءات الافتراضية مواقع للنقد الجارح، والسخرية من السياسات والقرارات الحكومية.

على صعيد الحياة اليومية، يزداد العسر الاقتصادي، والتهميش الاجتماعي للفئات الوسطى، والغالبيات الشعبية، علاوة على ارتفاع معدلات البطالة، ومعها التضخم، والغلاء في أسعار المواد الأساسية!

… محنة كبرى لهذه المجتمعات، وأزمات متفاقمة، أدت إلى غياب الآمال في المستقبل الغائم.. لهذه المجتمعات، في ظل تدهور مذهل في الأنظمة والسياسات الصحية، والتعليم والثقافة، وترييف أنماط الحياة المعيشية. والأخطر، ترييف أنماط التدين السائدة، وتمدد الفكر السلفي، والتطرف الديني، والعقل الديني المغلق.

من ناحية أخرى، تبدو الازدواجية في التفكير، والقيم، والسلوك الاجتماعي اليومي؛ بين القيم الدينية السلفية السياسية التأويلية، وبين ما يناهضها.. على نحو حاد!

… بين التعري والانكشاف على الواقع الافتراضي، وبين تمدد النقاب والحجاب في الواقع الفعلي، في أشكال من الانتقال في ذات اللحظات بين الفكرة/الفعل، ونقائضها.. بين خطاب التقوى والإيمان والتشدد القولي، وبين نقيضه من الكذب والمخاتلة والشرور. من نظام الأسرة.. إلى جماعات الرفاق، والعمل، والجيرة! وما بين هذه المساحات من مناطق رمادية نفسية وسلوكيات!

فاقم من هذه الحالة العربية العامة، الأثر المكثف والسريع للثورة الرقمية، وأدواتها، ومواقعها.. التي تحولت إلى فضاءات للانكشاف للذوات، والخصوصية، والعقول.. التي تبدو أدوات لتعري الحياة والإنسان العربي، وتدهور مستويات التطور الحضاري، بل وارتداداتها عن عصر النهضة العربية.. منذ نهاية القرن التاسع عشر، إلى هزيمة يونيو 1967.

خذ – على سبيل المثال – طوفاناً من المنشورات والتغريدات والصور من بعض الجماعة الغنائية والسينمائية عن حياتهم/هن الشخصية، أو إقامة علاقة ما، أو زواجهم، أو خلافاتهن الزوجية، أو أبنائهن، أو طلاق بعضهن، حيث تتفجر ادعاءات بعضهن/هم عن سلوك الآخر، من الخلافات المالية، إلى الغيرة، والهجر!

خذ أيضاً استخدام برامج لتجميل الصور وإزاحة التجاعيد، وتمييع السن الحقيقية لهن/هم!

ما تفسير ذلك؟

يبدو لي أن هؤلاء.. تبدو لديهم حالة من حالات محاولة الهروب من الذات الفعلية، إلى ذات متخيَّلة.. وفق نظام الموضة في الوجوه والأجساد، من مثيل تحويل الشفاه من طبيعتها.. إلى موضة الشفاه الأفريقية الغليظة، بما يتنافى مع شكل الوجوه، وملامحها الطبيعية، وحلول الصورة المتخيلة والمتغيرة محل الطبيعية، وحلول الجسد محل العقل، والافتراضي محل الفعلي!

بعض كبارهن/هم في العمر، يحاولون عبثاً تثبيت عمرهن/هم عند مرحلة الشباب أو النضوج الأول.

وراء تعرية بعضهن لحياتهن الشخصية – من خطبة وصور وعلاقة، إلى زواج وإنجاب وصور الأطفال وطلاق ومنشورات – قدح متبادل (ردح بالمفهوم التقليدي الشعبي، وفي اللغة ردح غريمه: صرعه)، ومنشورات عن قضايا الطلاق ونذالة الأبناء وقسوتهم… إلخ.

محاولات لتوظيف الحياة الشخصية العارية في الترويج لهم/هن، في وسائل التواصل الاجتماعي.. تجارياً، خاصة أن بعضهن تجاوزتهن الحياة الفنية وأفُلت شهرتهن، ولم يعد هناك طلب فني وإنتاجي عليهن، أو تجاوزهم/هن، الطلب الاجتماعي على تمثيلهم، أو غنائهم/هن.

هنا يقوم بعضهم بمثل هذه التغريدات، والمنشورات، والصور، ونشر خصوصياتهم/هن، في محاولة لاستدعاء الطلب الاجتماعي والإنتاجي عليهم، والعودة إلى عالم الشهرة والذيوع.

هذا الولع يقف وراءه بعض الشباب العامل في البرمجيات، يقومون بذلك مقابل أجر!

النميمة جزء من ثقافات العالم المتعددة، لكن يردع بعضها.. الحق في الخصوصية، المحمي قانوناً في الدول الديمقراطية.

النميمة، والنزعة للفضح، والتلصص والتنصت.. حالة شائعة مصرياً وعربياً.. على جماعة الجيرة والزملاء والأصدقاء في الغالب.

من هنا، ثقافة الانكشاف، والفضائح الرقمية والفعلية، وجدت رواجاً وانتشاراً على الحياة الرقمية، لأنها تجد سنداً وطلباً اجتماعياً غلاباً عليها.. في الحياة الفعلية، وهي تعبّر عن فوائض التخلف الحضاري العربي، وتقلصات عنيفة اجتماعياً وجيلياً، لأن الأجيال الجديدة تفرض طلبها الاجتماعي، والسياسي، والفني.. على الواقع الافتراضي؛ هروباً من ضغوط السياسة، والقوانين، والقيم الاجتماعية التظاهرية والاستعراضية المزدوجة.. الحاملة لأكاذيبها المعلنة والمضمرة، والنزعة القوية لإزاحة سيطرة الأجيال الأكبر وسياساتها!

إنها كاشفة عن مراحل الفوضى والغليان الاجتماعي، وتناقضاتها الحادة في المجتمع المصري، وأيضاً في عالمنا العربي.

نقلاً عن «الأهرام».

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.