نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / إرادة “مكافحة الفساد” تبدأ من الإدارة الوسطى

إرادة “مكافحة الفساد” تبدأ من الإدارة الوسطى

جلال حموده
جلال حموده

جلال حموده

منذ الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ارتبط تقديم تقنية جديدة في البنية الإدارية للمؤسسات؛ باستهداف المستويات الوسطى من المديرين، وإلغاء بعض الإجراءات. فقد رأى استشاريون إداريون كبار.. مثل توم بيترز ومايكل هامر، أن “تقليص أعداد مديري المستويات الوسطى.. من الأهداف العليا للمؤسسات”. وطالبوا بـ”خطوط أقصر لتدفق التقارير.. وتبسيط آلية العمل”.

غير أن نتائج التحول المنشود في بنية الهياكل الإدارية – اعتمادا على هذه المبادئ الأولية لإعادة النظر في بنية المؤسسات – جاءت على غير المتوقع؛ إذ صارت هياكل الإدارة في الحكومة أو القطاع الخاص تعمل بشكل سطحي، يفتقد العمق المطلوب لتنفيذ مهام العمل. وترتب على ذلك – في حالات كثيرة – خسائر، نتيجة الفساد المالي والإهمال الإداري، وغياب الرؤية المؤسسية الشاملة، وما يتبع من تسرب للمهارات من هذه الكيانات؛ بحثاُ عن مستوى مهني أفضل.

وفي دراسة أصدرتها كلية لندن للعلوم الاقتصادية عام 2009، تبين أن الأدوار العامة التي يلعبها المستوى الأوسط من المديرين؛ باعتبارهم منسقين لمشروعات الأعمال، وأحد مصادر المعرفة – إلى جانب دورهم كرجال أعمال اجتماعيين ووسطاء للتغيير، يقومون بوضع الخطوط التنفيذية، فى شكل خطط وبرامج عمل تنفيذية متخصصة – ليست لها درجة عمومية وشمولية، مثل تلك يصيغها أعضاء طبقة الإدارة العليا.

فمديرو المستويات الوسطى ينجزون مهامهم اعتمادا على طريقتين؛ الأولى: التفويض بالسلطة لإنجاز القرارات التي تتخذها الإدارة العليا. والثانية: تنسيق جداول العمل والموارد المتوفرة للإنجاز مع المديرين الآخرين. وتشير مسوح المتابعة إلى أن هذه الفئة من المديرين، تقضي 80 في المئة من وقتها في اتصالات هاتفية، وحضور اجتماعات لجان، وكتابة تقارير؛ بينما يفتقر أفرادها إلى الخبرة في النواحي الفنية للإنتاج، والقدرة على التفاوض مع مدراء الخط الأول، لإقناعهم بقبول أهداف الإدارة العليا؛ وهي سلبيات تضع مهاراتهم – دائماً – موضع شك.

وبصفة أساسية، لا يزال مدير المستوى الأوسط يمارس دوره التاريخي؛ كوسيط بين المستويات العليا والدنيا داخل المؤسسة. وفي ظل التوقعات بخفض معدلات النمو العالمي – وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط – باتت الآن الظروف المصاحبة لقيام هذه الفئة من المديرين بأعمالها.. محفوفاُ بالكثير من التحديات؛ المرتبطة بإدارة علاقات فرق العمل الداخلية والخارجية، والمشاركة بصورة مباشرة في إدارة المخاطر، وتحديد الإختيارات اليومية، والعناصر التى تغيب عن إنتباه الإدارة العليا، والتعريف بكيفية تنفيذها والإهتمام بها، والنقاط التى ما تزال محورية في الأداء المؤسسي.

بالطبع.. وفي ظل منظومة متشابكة من الفساد المؤسسي، ينذر – بالدرجة الأولي – بإهدار الموارد المادية للمؤسسات، في سياق التسابق من أجل الترقي في كيانات هزيلة – من حيث تركيبتها القانونية والإدارية – يصبح وجود طراز رفيع من هؤلاء المديرين ضرباً من الخيال، على الرغم من الطفرة التي شهدتها مجالات الأعمال خلال الأعوام العشرة الماضية، على صعيد التدريب الذي يحصلون عليه، والذهاب إلى خلق كيانات دولية، لإعداد البرامج المتخصصة التي تساعدهم على تولي مهام القيادة في مؤسساتهم.

وجدير بالذكر.. أن الأدبيات المرتبطة بتولي الوظائف في عالمنا العربي، ما زالت تحبذ الإعجاب الشخصي والتملق، على حساب فكرة الإنجاز. وتُقدم المحسوبية على المحاسبة؛ وهو ما يضرب فكرة وجود خط لإنتاج مثل هذه الفئة من المديرين.. في مقتل. كما أن عدم ربط التدريب بخلق مسار مهني ابتكاري، يجعل منها تجربة قصيرة الأجل.

ويشير تحسن ترتيب مصر في مؤشرات الشفافية الدولية 12 مركزاٌ – لتحتل الترتيب 105 بين 180 دولة – حسبما أعلن مطلع العام الحالي، إلى انتباه الحكومة المصرية إلى مخاطر الفساد الإداري، والعمل على مكافحته اعتمادا على التشريعات والقوانين، وعبر التكنولوجيا الرقمية؛ التي تفرض قدراً أكبر من الرقابة التنفيذية والشعبية على أداء المسؤولين في الدولة.

ولكي يرتقي مستوى بلادنا في مثل هذه المؤشرات مستقبلا، يلزم إجراء إعادة هيكلة منظمة – على كافة مستويات الحكومة وقطاع الأعمال – تشمل بناء هياكل تتوافق مع تحديات العصر الرقمي، وتخضع للمعايير المتعارف عليها في مجال الحوكمة، بشكل يسمح بتولي الوظائف لمن يستحقها، استناداً إلى معيار التخصص والابتكار، بدلاُ من المعايير السياسية أوالأمنية، وخلق المسارات المهنية المرتبطة بالوظائف التخصصية بشكل واضح، لتعزيز أدوار الإدارة الوسطى، ومنحها حرية الحركة اللازمة لتنفيذ مهامها المطلوبة.. على أكمل وجه.

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.