نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / ثقافة و فن / د.ياسر ثابت يكتب عن «الفهلوي» عادل إمام: «أنا كبرت»!

د.ياسر ثابت يكتب عن «الفهلوي» عادل إمام: «أنا كبرت»!

الفنان عادل إمام ومدير أعماله في احتفال بعيد ميلاده الـ83 في منزله. (الإنترنت)
الفنان عادل إمام ومدير أعماله في احتفال بعيد ميلاده الـ83 في منزله. (الإنترنت)

«أنا كبرت».. كرر عادل إمام الجملة مرارًا في عيد ميلاه الثالث والثمانين، الذي أقيم في منزله في 17 مايو 2023 بحضور يسرا التي جلست إلى يمينه ولبلبة التي جلست إلى يساره، فضلًا عن عدد محدود من الأهل والأصدقاء.

إلا أن الجميع كانوا ينكرون هذا الأمر، ويرددون أنه مازال شابًا كما ظهر في عصابة «حمادة وتوتو» وغيرها من الأعمال الفنية.

جاملوه، فظلموه وظلمونا.

صور عادل إمام في الحفل قالت كل شيء عن الفنان الذي ابتعد عن التمثيل منذ عام 2020 بعد أن قدَّم آخر أعماله مسلسل «فالنتينو» في عام 2020.

علامات تقدُّمه في العمر بدت جلية في ملامحه وحضوره الذهني المرتبك، إلا أن سيل المجاملات المكشوفة والمبالغات الصارخة في المديح، لم ينقطع.

الفهلوي هو النموذج الرئيسي الذي يعتمد عليه عادل إمام في معظم أفلامه، ليُقدِّم نموذج الماكر الذي يلجأ إلى المداراة والاختباء إلى أن يحقق أهدافه. ثيمة واضحة في معظم أفلامه التي تتسم بنجاحها جماهيريًا رغم تواضع مستواها الفني، ذلك أنها تلعب على وتر البطل الشعبي وتدغدغ الوجدان الجمعي للجماهير.

تُقدَّمُ الشهرة اليوم على أنها إنجازٌ باهر، وإبداعٌ مستحق، حتى وإن تحققت بما يتعارض مع مفهوم القيمة، أي حتى وإن كانت مجرد قناع يُخفي الضحالة والبشاعة. في زمننا الراهن، غدت علاقة الشهرة بالقيمة أشد تعقيدًا؛ لأن القيمة لم تعد منفصلة عن التزييف والانتحال، بل هما ما يحددها .

الماكينة الإعلامية أسُّ هذا الاصطناع. يكون هذا الحضور الإعلامي، في الغالب العام، مُرتبًا ومُخططًا له، تُصاغ له سياقاتٌ تتقنَّع بالقيَم. كلما تكرست صورة الشهير، غدا اسمه مربحًا في أسهم هذه الصناعة. عملت الدعاية على خلق نظام تسويقي وترويجي جديد من الدلالات والرموز يحتل فيه السامي مرتبة الوضاعة، والوضيع مرتبة الأعلى، تماشيًا مع منطق الدعاية الإعلانية، الذي لا يستهدف سوى تحقيق المنفعة والأرباح والعائدات.
احتشدت الآلة الإعلامية في مناسباتٍ مختلفة لدعمه وتلميعه، حتى أن أحدهم وصفه في حفل افتتاح «بوبوس» بأنه: «جبرتي العصر» وبأنه «لو كان للفن رسالة، فالوحيد القادر على إيصالها هو عادل إمام».

وفي أحد البرامج التليفزيونية قال للمذيعة نصًا: «لو عاوزة تعرفي تاريخ مصر يا هانم.. اتفرجي على أفلامي».

هنا يتساءل السيناريست وحيد حامد: «بقى اللي عمل عادل أفلام الجردل والكنكة وعنتر شايل سيفه ورجب فوق صفيح ساخن، هو ده اللي عمل عادل إمام؟».

كان وحيد حامد مؤمنًا بأنه هو من صَنَع نجومية عادل السينمائية، فيزيد ممَّا يحمل في قلبه: «شيل من تاريخه الأفلام اللي عملتها له وقل لي عادل إمام هيبقى إيه؟».

الفنان عادل إمام وشقيقه المنتج عصام إمام في أحدث ظهور له مع الاحتفال بعيد ميلاده الـ83.
الفنان عادل إمام وشقيقه المنتج عصام إمام في أحدث ظهور له مع الاحتفال بعيد ميلاده الـ83.

ظهر عادل إمام بملامحه الجسدية والنفسية التي بدأ بها منذ منتصف ستينيات القرن العشرين، وكان يجسِّد بها شخصية الصعلوك، الهلفوت، الذي يتسول وجوده في ظل سياقٍ قاسٍ لا يرحم. بنيت سمعة إمام على العبثية المطعمة بجرعة كثيفة من العدمية.

غير أنه وجد نفسه مؤهلًا لأن يلعب دور البطل الشعبي في مقابل البطل الرسمي المصنوع بوسامته أو جاذبيته.

المفاجأة أن الفهلوي صدَّق نفسه، وانتقل بعد ذلك ليتقمص شخصية «الزعيم» الذي يرتدي عادةً الملابس الأنيقة، أيًا كان الدور الذي يؤديه، ولتقارن -على سبيل المثال- بين «المتسول» بكل خشونته، ورداء «بخيت» في «الجردل والكنكة».

كما أصبح «الزعيم» يتحدَّث في أفلامه بكل الثقة والتعالي حتى لو لم يكن السياق يسمح بذلك. ولتنظر إلى مشهد التحقيق في بداية فيلم «النوم في العسل»، فالبطل -إن جاز أن نسميه كذلك- يصر على أن يتبع أهواء عادل إمام في توليد «الإفيهات» حتى لو كان ضابط مباحث يسأل عروسًا عن أسباب انتحار زوجها، فيطلب منها أن تحكي له عن المداعبات الحميمة بينهما بالتفصيل الممل، وهو يتأمل قوامها.

بالمغازلة الدائمة للغرائز في الخيال الشعبي، ظل يُقبِّل ويقرص ويلمس بطلات أفلامه المستسلمات لنزواته ورغباته، ليشارك المشاهد في نظرته الدونية للمرأة بوصفها وعاءً لا يصلح إلا لغرض واحد.

الرجل الذي كان يصرخ في توسل «عايز أبوس» في فيلم «نص ساعة جواز» (إخراج فطين عبد الوهاب، 1969)، وتلقّى الصفعات والركلات التي أدمت وجهه وجسده، ثأر لنفسه بتوزيع القبلات على جميع بطلات أفلامه في زمن نجوميته (من سعاد حسني إلى ميرفت أمين، ومن نورا إلى يسرا ومن سهير رمزي إلى نيكول سابا، مرورًا بصفاء أبو السعود.. ودعونا لا ننسى لبلبة)، وبالانتقام من الجميع بالضرب والركل، كأنه فارس زمانه الوحيد.

في تكرار ممل، ظل حريصًا على المراوحة في أعماله بين استدعاء الهرمونات ومداعبة أحلام المعدمين في تحقيق نجاح أو مكسبٍ مالي مفاجئ، بلا جهدٍ أو كفاح.. فقط عبر عمليات نصب أو خداع.

إنها ملهاة المهرج حين لا يستطيع التوقف.

يُغرق عادل إمام جمهوره في سوائل طول الوقت؛ على ما وضع قديمًا الفرنسي رولان بارت مقاربته الثاقبة. يُغرِقهم في دموع وعرق؛ من أجل استحلاب الضحك.

يشعر الجمهور إزاء هذه السوائل أن أمواله اشترت سلعًا محسوسة؛ أمسكها بيديه؛ ومسح مخلفاتها بمنديل على عينيه.

خليطٌ زائف يشتري الرضا المخادع من الجمهور.

اختار عادل إمام الإضحاك لا الكوميديا، ورسَّخ سلطة النجم على العمل لا إدراك أن نجاحه هو نتيجة لدأب متواصل وجمع أفضل العناصر حوله، واهتم بصورة المجرم المنتقم كخلطة باهتة مضمونة، لا كفهم لما يعنيه البطل الشعبي في الأذهان.

عادل إمام، أسير التكرار ونموذج الركاكة، الذي يُقدِّم بوضوح صورة عن عصره.

 

ياسر ثابت.
ياسر ثابت.

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

فلسطينيون يقتادون اسرائيليا في خان يونس بقطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023. (أ ف ب)

مصدر: توزيع أسرى إسرائليين على أهداف محتملة للاحتلال في غزة

مصدر مطلع في غزة يقول أن عناصر المقاومة الفلسطينية «وزعت أعدادا من الأسرى الإسرائليين، على مواقع يمكن أن تكون أهدافا للقصف الجوي الإسرائيلي على القطاع.

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.