نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / مقالات / نهاية الخطاب السياسي العربي

نهاية الخطاب السياسي العربي

نبيل عبدالفتاح
نبيل عبدالفتاح

أبرز مخرجات ظاهرة تراجُع السياسة، تتمثل في هيمنة العقل البيروقراطي، وأولوية الإدارة على السياسة.. في أجهزة بعض الدول العربية، وترتبت على ذلك.. سطوة الموروث البيروقراطي ومحمولاته وفساده، على العمل الإداري اليومي، وتحوُّل البيروقراطية من أداة لتنفيذ السياسات العامة، إلى عقبة كأداء.. إزاء تحسين حياة المواطنين، واعتراضها أي تجديدات في سياسات الإدارة أو تطويرها؛ لأن ذلك يشكل تهديداً لمواقعها ومكانتها، ويؤدي إلى إحلال أجيال شابة أكثر قدرة وكفاءة.. من الأجيال الأكبر سناً. من ناحية أخرى، تمد البيروقراطيات صُناع القرارات السياسية أو المشرّعين.. بالمعلومات والبيانات المطلوبة، لكي تصدر التشريعات والسياسات والقرارات.

من هنا، لابد أن يكون ملف تجديد الهياكل البيروقراطية، والسياسات الإدارية.. جزءاً من أي حوار جاد وموضوعي، لتجديد جهاز الدولة في العالم العربي.

أدى تراجع السياسة.. إلى شيوع بعض من الفهلوة، وعدم الاعتماد على مخرجات البحوث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.. في الخطاب اللاسياسي للموظفين الكبار، وتحوُّل خطاب الموالين والمعارضين.. إلى إنتاج الكلام الساكت – أو اللغة الخشبية – والشعارات.. التي تبدو في ظاهرها أنها تفسر كل شيء، وتجيب عن كل شيء – مشكلة أو أزمة – وتطرح حلولاً لكل المشكلات، لكنها لا تفسر شيئاً، ولا تمثل سوى نمط من بلاغة اللغو والثرثرة! وذلك لانفصال الخطاب المكتوب والشفهي.. عن البحث الموضوعي.

لا شك في أن ذلك، أعاق تطوير الخطاب السياسي واللغة السياسية.. المعبّرة عن التفاعل بين منتجي الخطاب، والواقع الموضوعي. وأسهم في انفصال لغة الخطاب، عما يجري داخل حنايا المجتمع وطبقاته الاجتماعية – لا سيما الأغلبيات الشعبية – وأيضاً عن تحوُّل لغة الخطاب إلى لغة تُتداول بين بعض محترفي اللغو في السياسة، وابتعادهم عن لغة الجمهور العادي. وهذا ما استطاعت الجماعات الإسلامية السياسية والراديكالية.. أن توظفه في استخدام اللغة الدينية في تعبئة المعسورين، وبعض شرائح الطبقة الوسطى في الريف والحضر المريَّف.. من خلال اللغة والأمثلة والمرويات الدينية الوضعية.

الاستعراض في السياسة، تعبير عن غياب الاتصال العضوي.. بقواعد اجتماعية منظمة، داعمة لحالة اللاسياسي والبيروقراطي، الذي يستعرض ذاته ولا يقدم شيئاً!

لا شك في أن ذلك، يشكّل حالة بعض كبار موظفي الدولة.. في بعض الدول العربية، الذين تقلدوا بعض المواقع في تشكيلاتها المختلفة، في ظل كهنوت البيروقراطية، ورأسمالية الدولة البيروقراطية والريعية، ثم الدولة الرأسمالية.. التي يديرها الموظفون في عالمنا العربي.

في عالم تراجُع السياسة العربي.. منذ الاستقلال عن المستعمر الغربي، يميل من يحاولون لعب بعض أدوار سياسية – موالية أو معارضة – إلى تركيز خطاباتهم.. على نقد – أو إصلاح – السلطة والطبقة السياسية؛ سواء علناً، أو عبر الاستشارات المقدمة لصُناع القرارات.. عند القمة، والميل إلى عدم نقد المجتمع وأمراضه الاجتماعية والثقافية، وموروثه النقلي والديني.. الذي يعرقل تطوره، ويقف حائط صد إزاء مفاهيم الحرية والمساواة والعدالة والإخاء والتعدد الديني والمذهبي، وذكورية ثقافة المجتمع والدولة، وطائفية ودينية ومذهبية السلطة الحاكمة؛ في تناقض مع مفهوم الدولة الديمقراطية الدستورية والثقافة المدنية السياسية.

عدم نقد المجتمع وثقافته.. مرجعه ممالأة الجمهور، والسعى لاستقطابه، لكن وا أسفاه دون جدوى!

جزء من ظاهرة الاستعراض الخطابي اللاسياسي.. أنه خطاب ذو بُعد أحادي، ويميل بعضهم – منذ عقد الخمسينيات إلى سنوات ما سُمي بالربيع العربي – إلى بلاغة المصطلحات الأيديولوجية المحنطة، التي يعاد إنتاجها بعيداً عن تحولات الواقع الموضوعي. كانت الخطابات الخشبية الساكتة تتحدث عن الأمة الواحدة.. داخل كل دولة حديثة الاستقلال، بينما الواقع مجزأ.. بين مكونات دينية ومذهبية وعرقية وقومية ومناطقية وعشائرية وقبلية متشرذمة ومتناحرة!

كان الخطاب القومي يتحدث عن أمة عربية واحدة، بينما العالم العربي متشظ بين بعضه البعض، وكل طبقة سياسية.. تحاول أن تؤسس لاندماج وطني بالقوة والحديد والنار!

وفشلت سياسة بوتقة الصهر.. في بناء التكامل الداخلي! ولم تكن هناك دولة/أمة في العالم العربي.. سوى مصر. من ثم تحتاج الحوارات السياسية والثقافية.. إلى خطاب جديد ومختلف، يتأسس على أسس معرفية وبحثية ومعلوماتية.

 نقلاً عن «الأهرام»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

أحمد الجمال

«ومن الأوباش.. لص قصص»

«ومن الأوباش.. لص قصص»

جميل مطر

مع المعلم جورج

مع المعلم جورج