نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / مقالات / دبلوماسية الحرير الصينية: إنجاز بلا صخب

دبلوماسية الحرير الصينية: إنجاز بلا صخب

سعدالدين إبراهيم
سعدالدين إبراهيم

أبهرت الصين العالم بالوساطة الناجحة في اتفاق سعودي-إيراني.. لتسوية عدد من المشكلات بين الدولتين النفطيتين المتجاورتين عبر الخليج العربي-(الفارسي)، التي استمرت ما يقرب من نصف قرن من التوتر بين البلدين.. مع الثورة الإسلامية الخومينية 1979، ومحاولة تصديرها إلى بقية البُلدان.. ذات الأغلبية الإسلامية، في الوقت الذي تعتبر فيه السعودية نفسها.. متحدثة باسم الإسلام، وحامية الحرمين الشريفين في مكة والمدينة.

وبعد الثورة الإسلامية وحرب الخليج الأولى بين إيران والعراق، سعت ونجحت السعودية في تأسيس منظمة للبلدان العربية الخليجية الست (السعودية، الكويت، البحرين، قطر، الإمارات، سلطة عُمان)، تحت اسم مجلس التعاون الخليجي . وهو ما اعتبرته إيران موجهاً ضدها، فسعت للالتفاف حول بلدانه، من خلال السكان الشيعة في اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان، مع إعلاء وتيرة تأييدها للفلسطينيين وعدائها لإسرائيل، ومع سعيها الدؤوب لتنمية قدراتها النووية.

وقد حاولت إيران – من خلال الحجاج الشيعة إلى مكة والمدينة – إثارة السلطات السعودية بين الحين والآخر، وكذلك إشعال الحروب بين السعودية واليمن.. من خلال عناصر موالية لها تحت اسم الحوثيين في اليمن خلال العقدين الأخيرين (2000-2022).

ومع انفجار الحرب الروسية-الأوكرانية، والحصار الاقتصادي الذي وضعه الغرب على روسيا، تعاظم احتياج الغرب وشرق آسيا.. للنفط الخليجي عموماً، والسعودي خصوصاً.

ومن الواضح أن الصين بزعامة شي جين بينج، والتي قفزت تنموياً بمعدلات غير مسبوقة في تاريخها ولا في أي اقتصاد آخر في العصر الحديث، وهو فوق العشرة في المائة سنوياً، تحتاج إلى مصادر طاقة منتظمة من النفط والغاز والفحم، الذي لا تنتج منه محلياً إلا نسبة لا تتجاوز الثلث.. وبالتالي تحتاج إلى استيراد باقي احتياجاتها من الخارج. وكانت ومازالت السعودية وإيران ضمن أهم تلك المصادر، لذلك كان من مصلحتها استمرار إنتاج وتصدير النفط من البلدين الخليجيين الأقرب، والأرخص من مصادر أخرى. فضلاً عن أن البلدين يمثلان سوقين كبيرتين للمنتجات الصينية.

من ناحية أخرى، تعاني إيران من الحصار والعقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة عليها من الولايات المتحدة وحلفائها منذ عدة سنوات، لأسباب متعددة، منها: التأثير الكبير لجماعات الضغط الصهيونية، والعداء المعلن وحرب أجهزة المخابرات الإسرائيلية ضد إيران.. وهو ما كانت له آثار سلبية محسوسة على الداخل الإيراني، وتظهر أعراضه بين الحين والآخر في مظاهرات جماهيرية لأي حوادث عارضة، مثل تلك التي تسبب فيها مقتل الناشطة النسائية الإيرانية الكُردية مهسا أميني عام 2022، حيث بدأت المظاهرات نسائية في العاصمة طهران، ولكن سرعان ما انضم إليها شباب، ثم آخرون من كل الأعمار، ثم انتقلت من طهران إلى بقية المدن الرئيسية، مثل: مشهد، وأصفهان، وعبدان، ثم إلى مدن العتبات المقدسة الشيعية مثل: قم، وتبريز.

وكالعادة، استخدمت السلطات الحاكمة كل أساليب العنف الأمنية لإخماد تلك المظاهرات، وأشاعت أن منظميها هم عملاء لأمريكا، الشيطان الأكبر، وربيبتها إسرائيل، الشيطان الأصغر، مع إيحاءات بأن القصد من تلك المؤامرات هو إعاقة النهضة الإيرانية الإسلامية، وخاصة سعيها لتنمية قدرات إيران العلمية عموماً والنووية خصوصاً.

ويشهد على ذلك قيام عملاء الشيطان الأكبر- أمريكا – والأصغر – إسرائيل – باغتيال العلماء المهندسين الإيرانيين، وتخريب المنشآت العلمية (النووية) الإيرانية.

إن النظام الإيراني-الشيعي الحاكم منذ عام 1979 يدرك أن أي تساهل مع مظاهرات الاحتجاج، مهما تكن محدودة، هو بمثابة الإبقاء على ثُقب في السد أو الخزان، وحيث يؤدي ذلك التساهل إلى اتساع الثُقب، وإلى طاقة تؤدي إلى انهيار السد كله.

ويتذكر المخضرمون من قيادات النظام أن ذلك ما حدث في عام 1979، وأدى في النهاية إلى مظاهرات مليونية، أودت بنظام الشاهنشاه محمد رضا بهلوي ونجاح رجال الدين الشيعة في اختطاف تلك الثورة من الشباب الإيراني الذي قام بها والاستئثار بالسلطة منذ 1979.

ورغم محاولات مستمرة، شعبياً من الداخل الإيراني، وخارجياً من أمريكا وإسرائيل؛ لإسقاط النظام الشيعي الحاكم وإجهاض محاولاته في تطوير قدرات إيران النووية، إلا أن النظام صمد إلى تاريخه.

وربما أدركت الصين.. تلك القدرة الإيرانية على الصمود والنمو، فتعاملت معها من واقع المصالح المشتركة. بل إن هناك ما يوحي بأن محوراً صينياً-روسياً-إيرانياً.. يتشكل، وتحاول أطرافه توسيعه بضم أطراف أخرى إليه، مثل الهند وإندونيسيا، كمنافس للكتلات الغربية والآسيوية التي ترعاها أمريكا وأستراليا وبريطانيا، وذلك كخطوة لإعادة تشكيل وصياغة نظام عالمي جديد، يكون منافساً أو بديلاً للنظام العالمي.. الذي تقوده أمريكا وحلف شمال الأطلنطي (الناتو).

وهو ما يُطلق عليه الإعلام «مجموعة شينغهاي»، التي تمثل اقتصادياتها وسكانها حوالي ربع الاقتصاد وأكثر من نصف السكان في عالم القرن الحادي والعشرين. وقد طلبت السعودية وإيران الانضمام إليه.. وهو ما يعني – في أحد تجلياته الاقتصادية والنفطية – كُتلة كُبرى صاعدة، ومنافسة للتحالف الأوروبي-الأطلنطي.

ويأتي التصالح السعودي الإيراني – بوساطة ورعاية صينية – كأحد أهم الاختراقات الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، وهو نموذج للدبلوماسية الناعمة، مثل الحرير الذي اشتهرت به الصين.. منذ قديم الأزل.

والله على ما أقول شهيد.

وعلى الله قصد السبيل.

نقلاً عن «المصري اليوم»

عن لندن - تايمز أوف إيجبت

شاهد أيضاً

مصطفى الفقي

اعترافات ومراجعات (8).. «أحلام الشباب.. ذكريات لا تنسى»

اعترافات ومراجعات (8).. «أحلام الشباب.. ذكريات لا تنسى»

نبيل عبدالفتاح

الحياة الرقمية وثقافة التفاهة

الحياة الرقمية وثقافة التفاهة