نتأمل كيف نملأ النصف الفارغ من الكوب
الرئيسية / اخبار السلايدر / عن الحرب والمقاومة والبشر.. أبطال وأوغاد

عن الحرب والمقاومة والبشر.. أبطال وأوغاد

عبدالله السناوي
عبدالله السناوي

عبدالله السناوي

في الشريط السينمائي «ناصر 56»، لخّص كاتب السيناريو الراحل «محفوظ عبدالرحمن» تأميم قناة السويس.. على أنه مسألة كرامة للمصريين العاديين، الذين كُتب عليهم أن يخسروا إذا لعبوا مع ابن العمدة.. وأن يُضربوا إذا دخلوا في مشادات؛حتى إذا فكروا أن يمشوا بجوار الحائط.. لتجنب المشكلات، لن يُتركوا في حالهم.
بتضحيات أبنائها، الذين هرعوا لحمل السلاح.. في مواجهة العدوان الثلاثي (البريطاني، الفرنسي، الإسرائيلي) عام 1956، رفعت مصر رأسها.. واكتسبت استقلال قرارها الوطني.
لا تُصنع بطولات البشر العاديين.. في فراغ تاريخ، أو فراغ معنى.
هكذا تبدَّت بطولة فتاة صغيرة، تجاوزت بالكاد الخامسة عشرة من عمرها.
انضمت للمقاومة الشعبية، نقلت رشاشات وقنابل للفدائيين، مرت بثبات أعصاب بين تمركزات ودوريات قوات الغزو، في مدينتها «بورسعيد» وهي تدفع أمامها عربة صغيرة.. تحمل طفلاً رضيعاً، هو ابن شقيقتها، دون أن يخطر ببال أحد.. أنها تُخفي أسلحة ومعدات. وساعدت في إخفاء الضابط البريطاني «مور هاوس» ابن عمة ملكة بريطانيا الذي أسره الفدائيون؛ وكانت تلك ضربة معنوية هائلة.. لقوات الغزو.

لخّصت تجربة «زينب الكفراوي» التي رحلت قبل أيام بطولة الإنسان العادي.. وقدرته على اجتراح ما يشبه المعجزات؛ دفاعاً عن حرية بلده، وحقه في اكتساب قراره الوطني.
وجدت بطولة «زينب» تجسيدها الدرامي.. في رواية «ليلة القبض على فاطمة» لـ«سكينة فؤاد»، التي تحولت لشريط سينمائي..لعبت بطولته «فاتن حمامة».
نسبت الرواية الأعمال الفدائية التي قامت بها «زينب» إلى «فاطمة»، قبل أن تنسج المؤلفة رؤية درامية مختلفة.. لما يمكن أن يفعله الأوغاد بإرث البطولة.
في الرواية.. حاولت «فاطمة» – بتضحيتها – إخفاء جبن وتخاذل شقيقها الأصغر «جلال طاهر»، الذي انهار تماماً.. قبل الاضطلاع بمهمة كُلف بها، لنقل الأسلحة للفدائيين. قامت بالمهمة ونسبتها إليه.
بعد الحرب.. صعد نجم «البطل المزيف»، ارتقى داخل التنظيم السياسي.. والمجلس النيابي، لكن ماضيه الحقيقي طارده. حاول أن يخفيه.. أن يُخرس الحقيقة، اتهم البطلة الحقيقية بالجنون؛حتى لا يصدقها أحد إذا ما تكلمت.

لم تكن تلك قصة «زينب الكفراوي»، استوحيت بطولتها في سياق درامي.. ينتسب إلى خيال مؤلفته، لإبراز التناقض بين الذين يضحون بلا أوسمة.. والذين يحصدون بلا استحقاق.
في ثمانينيات القرن الماضي، تصور كثيرون أن الشريط السينمائي.. عمل معادٍ لثورة 23 يوليو، المؤلفة نفت أن يكون ذلك قصدها، فهي «بنت الثورة».. كما قالت.
عن نفس الرواية أُنتج مسلسل تلفزيوني، من إخراج «محمد فاضل»، أقرب موضوعياً للبطلة الحقيقية، التي ظلت حتى نهاية رحلتها في الحياة تنسب نفسها إلى ثورة يوليو.
بغضِّ النظر عن التوجهات المتناقضة في العملين الدراميين، فإن المعنى واحد؛ وهو أن هناك من يحاول السطو على إرث التضحية.. وتوظيفها لغير مقصدها.

بفضل تضحيات جيل «زينب الكفراوي» في ميادين القتال، بدت مصر أمام «الباب المفتوح».. وفق رواية الدكتورة «لطيفة الزيات» عن تلك الفترة والروح التي بثتها.
جرت أحداث الرواية بين عامي 1946، حيث وُلد جيل جديد..صاغت تجربته حقائق ما بعد الحرب العالمية الثانية وأحداث1956؛ حيث ألهمت حرب السويس روحاً استقلالية وتحررية، ونظرة مختلفة لقضية المرأة، كما لخصتها «ليلى»، بطلة النص الروائي.. التي تمردت على قيودها، ونظرة المجتمع إلى دور المرأة، واكتسبت حقها في الحرية.. بالانضمام إلى الفدائيين في بورسعيد؛ إسعافاً لجرحى، وتضميداً لآلام.
«أردت أن أقول.. إن طريق الخلاص، هو بالارتباط بقضايا أكبر..يجد الإنسان نفسه فيها»، كما قالت المؤلفة.

باستثناء أعمال أدبية شحيحة.. وشهادات متناثرة، لم تُكتب قصة جيل الحرب والمقاومة في بورسعيد.. كما تستحق، ولا سُجلت تجربة الفدائيين في الإسماعيلية، قبل جلاء القوات البريطانية..كما يجب.
إنها تجربة إنسانية واحدة.. إرث وطني مشترك بتوقيت متقاربيجسد بطولة الإنسان المصري العادي.
أهم الأعمال الأدبية التي سجلت روح تجربة الفدائيين في الإسماعيلية قصة قصيرة كتبها «يوسف إدريس».. ضمن مجموعة «جمهورية فرحات»، حملت اسم «قصة حب».
لم تكن قصة حب اعتيادية، في وقت تقاربت فيه احتمالات الموت مع فرص النجاة.
عدّل «صلاح أبو سيف» ابن نفس الجيل والتوجه اسم الشريط السينمائي.. الذي أخرجه عام 1963 عن قصة «يوسف إدريس»، إلى «لا وقت للحب».. مجسداً لحظة فارقة في التاريخ المصري، بكل تضحياتها ومشاعرها.

القصة حقيقية، وبطلها شاب كان يدرس الطب في جامعة الإسكندرية.. قبل تخرجه عام 1953، اسمه «حمزة محمد البسيوني»، قُدر له أن يعيش إلى ما بعد التسعين من عمره، رحل في صمت، ونعته أسرته في صفحة وفيات.. بكلمات مقتضبة.
قصة «حمزة»، هي قصة واحد من أفضل الأجيال المصرية.. في التاريخ الحديث؛ حلم.. وبذل.. وضحى، دون أن ينتظر ثمناً.
كاد أمير القصة العربية القصيرة.. أن يتماهى مع بطله، حين استمع إلى تجربته بأدق تفاصيلها السياسية والإنسانيةداخل زنزانة واحدة.. ضمتهما في معتقل أبو زعبل عام 1954، إثر الصدام بين ثورة «يوليو».. وتنظيم «حدتو» اليساري.. ودافع عنه، بعد أن انقضت أيامه.
تُرى.. ماذا كان مصير «شكري»، الذي وشى في العمل الدرامي بـ«حمزة» ورفاقه من الفدائيين للبوليس السياسي؟
على الأغلب ـ دون أن تكون هناك معلومات ـ أنه صعد في سلطة..جاءت بها ثورة خانها.
يكاد «شكري» في «لا وقت للحب» أن يكون وجهاً مماثلاً لـ«جلال طاهر»؛ في «ليلة القبض على فاطمة».

«الثورات يصنعها الشجعان.. ويجنيها الجبناء»، كما قال ذات مرة «أرنستو تشي جيفارا».
مع ذلك، فإن القضايا الكبرى.. تنتدب دوماً من يدافع عنها..ويضحي من أجلها، هم الذين يعطون للحياة معناها، ويسبغون على الأوطان كبرياءها.
بعد هزيمة «يونيو» (1967).. هب جيل جديد يعلن المقاومة.
مطلع سبعينيات القرن الماضي، اكتسبت مسرحية «البعض يأكلونها والعة».. شعبية كبيرة وسط الحركة الطلابية المصرية.
خاطبت غضبهم.. وتبنَّت نظرتهم، حيث المفارقات فادحة بين جبهة القتال وأوضاع الداخل.
تندرج المسرحية.. تحت ما يسمى بـ«الكباريه السياسي»، مجموعة اسكتشات متعاقبة.. تبرز حجم التناقض.
بين كل اسكتش وآخر.. كانت تظهر في الخلفية صورة الفريق أول الشهيد «عبدالمنعم رياض»، وكان التصفيق مدوياً في كل مرة.
من مفارقات التواريخ.. أن ترحل «زينب الكفراوي»، فيما تهل علينا ذكرى «يوم الشهيد»، وهو اليوم الذي استشهد فيه «رياض» رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في سنوات حرب الاستنزاف.. بالمواقع الأمامية لجبهة القتال؛ كأنها رسالة تحية من قلب مصر.. لمعنى بطولتها؛ بطولة المواطن العادي.

أفضل ما قيل في وصف بطولات أكتوبر.. أن الإنسان المصري العادي هو بطل الحرب. غير أن بطل أكتوبر لم يكن ـ من ناحية تدقيق المعاني والألفاظ ـ إنساناً عادياً، بل هو جيل كامل.. صهرته تجربة القتال، وصاغت منه تجربة فريدة.
الفارق واضح، بين نسبة النصر إلى الإنسان العادي المجرد.. أو إلى صفات إيجابية مطلقة.. في الشخصية المصرية، وبين نسبته إلى جيل بعينه.. وإلى وعي بعينه.. وإلى بنى ثقافية وسياسية ونفسية بعينها.
إنه الفارق بين المطلق.. والتاريخ.
أغلب الذين قاتلوا في 1973بعد ست سنوات في الخنادق، أو في معسكرات التدريب، أو في مهمات قتالية أثناء حرب الاستنزاف من خريجي الجامعات المصرية؛ الذين أتاحت مجانية التعليم الفرصة أمامهم.. لاكتساب معارف العصر.

جيل الحرب، هو نفسه جيل الثورة.. ومجانية التعليم.. والحق في الثروة الوطنية.
المأساوي في قصة هذا الجيل.. أنه أرجأ طموحاته وحياته.. إلى ما بعد انتهاء الحرب، غير أنه عندما عاد من ميادين القتال.. وجد أن ما قاتل من أجله قد تبدَّد، وأن عليه دفع ثمن سياسات الانفتاح الاقتصادي التي دُشنت عام 1974 من مستقبله الاجتماعي والإنساني.
كانت تلك مصادمة جديدة.. في بلد لا يكف عن إنتاج الأبطال.رغم الأوغاد.. الذين يحاولون دوماً إجهاض أي معنى للتضحية.

نقلاً عن «الشروق».

شاهد أيضاً

السفير شريف كامل واللواء المشرفي وقرينتاهما أثناء عزف السلام الوطني. (تايمز أوف إيجيبت)

احتفالية كبرى في لندن باليوبيل الذهبي لانتصار أكتوبر (صور)

مكتب الدفاع في السفارة المصرية يستضيف احتفالية كبرى.. بمناسبة الذكرى الخمسين (اليوبيل الذهبي) للانتصار في حرب أكتوبر المجيدة.

جنود مصريون يرفعون العلم على الضفة الثانية من قناة السويس بعد اقتحامهم «خط بارليف» 1973 (الهيئة المصرية العامة للاستعلامات)

مكتب الدفاع المصري بلندن يحتفل باليوبيل الذهبي لانتصارات أكتوبر

مكتب الدفاع المصري بلندن ينظم مساء غد الإثنين الثاني من أكتوبر ، إحتفالا رسمياً بمناسبة الذكرى الخمسين لانتصارات حرب أكتوبر المجيدة.