Times of Egypt

التدوير بين الطبيعة والبشر 

Mohamed Bosila
أحمد الجمال

أحمد الجمال 

ربما يكون الأمر إحدى عجائب الكون، لأن فيه مفارقة بالغة بين ما يوصف عادة.. بأنه غير عاقل، وبين ما استقر عليه وصف عاقل. 

والأمر هو أن الطبيعة تعيد تدوير نفاياتها؛ بتحويلها من حال إلى حال آخر، ولا نلاحظ أنها تزيدها سوءاً.. أو تتركها على حالها. فعلى سبيل المثال – وليس الحصر – نجد حالة أسماك السلمون الميتة.. بعد وضع بيضها، فتلتقطها الطيور الجارحة، وتصعد بها لقمم الأشجار.. لتلتهمها، فتتساقط أجزاء منها إلى التربة، لتتحول إلى سماد.. يخصب التربة، لتمتصها النباتات، فتنمو وتزدهر وتزهر، وتحصل الطيور على الطاقة.. لتطير، وتتناسل، وتصطاد! 

ونجد حالة جفاف أشجار الغابات، التي تحتك أغصانها.. احتكاكاً من شأنه توليد شرارات نار، تشعل حرائق في الغابات، لتجد بعض البذور سبيلاً.. لتتحطم أغلفتها الصلبة، وتتهيأ الفرص لأجيال جديدة من الأشجار. ولتتطهر الغابة من نفاياتها؛ أي الأشجار المريضة والجافة والحشائش، وأيضاً من الأمراض الحشرية والفطرية.. التي عادة ما تنتشر في ظل ظروف رطوبة وحرارة معينة، وليتم تدوير كل ذلك، ليصبح الرماد سماداً يخصب التربة، ويغذي الأغطية النباتية الجديدة، ومعها أنواع أخرى من الأحياء؛ كالحشرات والزواحف، والطيور والثدييات.. وغيرها! 

بل إن الزلازل والبراكين – بدورها – هي أحد تجليات إعادة التدوير، حيث تتحرك الطاقة الكامنة في جوف الأرض.. لتتحول إلى مواد عظيمة الفائدة، بعد أن تهدأ الحركة، وتبرد الحمم؛ وهو – بشكل أو آخر – تدوير للطاقة، لتصبح مادة تتحول بعد ذلك.. إلى مئات المنتجات، من الصخور والمعادن الثمينة وغير الثمينة. 

ولا أريد أن أستطرد، بحكم أنني غير متخصص، وربما يوجد في أمثلتي أخطاء.. يجدها القارئ المتخصص، أو على الأقل يختلف معها. وهنا أصل لمربط الفرس، وهو إعادة تدوير البشر للنفايات، حيث نجح الإنسانعبر العلم وتطبيقاته في استخدام بعض المنتجات – التي ينتجها من مواد خام – أكثر من مرة. 

وبالصدفة، كنت صباح أمس.. أفتح أكياساً بلاستيكية، تحتوي أبصالاً لزهور الهايسنت والتوليب وغيرهما، ووجدت على الأكياس عبارة – بالإنجليزية – يقول معناها «مصنوع من مواد تم تدويرها.. من فضلك أعد تدويري ثانية»! وطبعاً، كان المنتج نظيفاً براقاً.. وكأنه أول استخدام! وهكذا الحال في المناشف الورقية – المستخدمة في الحمامات، ودورات المياه، والمكاتب، والمطابخ.. وغيرها، وفي مواد كثيرة غير ذلك.  

ولكن هذا النجاح البشري – الذي ربما استقاه الإنسان من الطبيعة، وهو يراقب قدرتها – توقف عند الاستخدامات المادية، وتعطل تماماً في مجال كان.. وسيبقى هو الأكثر احتياجاً للتجديد أساساً. وإذا استلزم الأمر إعادة تدوير، فلا بد أن تقترن بتنقية المعاد تدويره، كما تتم معالجة البلاستيك مثلاً وتنقيته!  

والمجال هو.. العمل السياسي؛ الذي تمتد ساحته.. لتشمل الأحزاب والسلطة التنفيذية والأخرى التشريعية – التي تتشكل بالانتخاب – ويضاف إلى ذلك الإعلام؛ لارتباطه الوثيق بالسياسة، وبكل جوانب النشاط الإنساني، حيث نلاحظ أن هناك مراحل – في بعض المجتمعات – يظهر فيها الإصرار على تدوير ما يعتبر (تجاوزاً).. من نفايات الممارسة السياسية، دون أدنى اعتبار لما يسببه ذلك من ضرر، يصل لدرجة تدمير البيئة المجتمعية؛ ابتداء من فقد الأمل في حياة عامة سليمة وصحية، وليس انتهاء بالاحتقان المتراكم.. الذي تتسع دوائره وتعلو درجته، حتى يُحدِث الانفجارات السياسية والاجتماعية.. المقترنة بالبيت أحياناً. 

إننا نلاحظ في تلك المجتمعات.. وجود عينات بشرية، تقبل أن تُستخدم عند كل طلب، بل كثيراً تكون هي من تسعى للاستخدام، كلما حانت فرصة لذلك.. وبالطريقة العامية «كله ماشي»، جاهزين للاستخدام في التوجه الرأسمالي الطفيلي، وفي التوجه الشمولي، وفي التوجه الاشتراكي، وفي الليبرالي وشبه الليبرالي، وفي المركزي وفي المختلط، وفي «اللا لون له»..  

وهي عينات.. تنحصر موهبتها في الهرولة، والتزلف، والقبول بأي تعليمات وشروط. بينما لا موهبة أخرى لها، ولديها قدرة على تناسي – أو بالبلدي أيضاً «تطنيش» – ما لوثته من قبل، وما صادفته من رفض ونقد.. لثقة الناس؛ كأن تكون العينة.. ممن تولوا أعلى موقع قيادي في حزب، أو نقابة، أو حتى مؤسسة سياسية. وتم تمزيق الحزب بسببه، أو تم إسقاطه في الانتخابات النقابية، أو تم تغييره وإبعاده.. عن الموقع القيادي في مؤسسة سياسية ما. ويتكرر الأمر مرات – أي إعادة استخدام.. أو تدوير مستمرة – دون أية معالجة، تفيد بأن المذكور.. تغير جوهرياً، أو تحصل على إمكانيات ذهنية.. جددت فكره وثقافته، وعدلت مسلكياته، ولذلك يستمر ضرره الفادح للأمة بأسرها. 

وبالطبع، فإن ما حفزني لهذه السطور.. هو تجربة سريعة.. «شفت فيها العجب». 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.