Times of Egypt

حول زيارة عراقجي للقاهرة 

Mohamed Bosila
نيفين مسعد

د. نيفين مسعد 

أثارت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى القاهرة – قبل أيام – ضجة واسعة من حولها. ومع أن هذه الضجة عادةً ما تلازم أي اتصال رفيع المستوى بين مصر وإيران، وعلى سبيل الاستثناء.. عن جميع الاتصالات الإيرانية الأخرى مع كل الدول العربية، إلا أن هذه الزيارة – بالتحديد – كانت لها خصوصية معينة لأسباب مختلفة. ومن بين هذه الأسباب، أركِّز – بشكل خاص – على تزامنها مع زيارة رافاييل غروسي – المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية – إلى القاهرة، وانعقاد لقاء ثلاثي بين وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبدالعاطي.. وضيفيه الإيراني والأرجنتيني.  

وقبل أن أستطرد في تحليل أهمية هذا اللقاء، أنتهز الفرصة لتحية الرؤية المتوازنة للسياسة الخارجية المصرية – في ظل الرئيس عبد الفتاح السيسي – والنشاط الدبلوماسي الذكي والدؤوب.. لوزير خارجيتنا الدكتور بدر عبد العاطي، في تنفيذها على أرض الواقع؛ فعلى الرغم من أنه لم يمضِ عليه في منصبه سوى شهور قليلة، إلا أنه استطاع أن يؤكد حضوره، ويشتبك مع العديد من الملفات الشائكة، ومن بينها الملف الإيراني. 

انعقد اللقاء الثلاثي – قبيل عدة أيام من اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية اليوم – وفي أعقاب التقرير الأخير للوكالة، الذي أوضح الزيادة الكبيرة في نشاط التخصيب الإيراني.. بنسبٍ عاليةٍ، خلال الثلاثة أشهر الماضية؛ أي منذ وصول ترامب إلى الرئاسة، وبالتوازي مع انعقاد جولات المفاوضات الأمريكية-الإيرانية حول البرنامج النووي.  

هذا، إضافةً إلى ما أشار له التقرير.. حول استمرار عدم وضوح موقف 3 مواقع، جرى فيها تخصيب اليورانيوم سراً؛ على نحو يجعل تعاون إيران مع الوكالة دون المستوى المُرضي. ومن هنا، توجد خشية حقيقية.. من أن يؤدي التقرير المُقبل لمجلس محافظي الوكالة، إلى مزيد من تعقيد الموقف مع إيران، وربما يؤدي إلى قيام دول الاتفاق النووي.. بتفعيل آلية الزناد؛ التي تعني عودة عقوبات مجلس الأمن ضد إيران بشكلٍ تلقائي، ودون إمكانية استخدام حق الفيتو ضدها.. لا من روسيا ولا من الصين. 

وبينما هذا هو وضع العلاقة مع الوكالة، ومع دول الاتفاق النووي، فإن المفاوضات الإيرانية مع الولايات المتحدة تقف على مفترق طرق؛ فبعد التفاؤل الكبير – الذي ساد المفاوضات في الجولتين الأولى والثانية – بدأ هذا التفاؤل يتراجع بالتدريج.. وصولاً إلى الجولة الخامسة والأخيرة في 23 من مايو الماضي. ويساعد على هذا التراجع، ما يبدو من عدم وجود رؤية أمريكية واضحة ومستقرة ومتكاملة.. لتسوية قضية البرنامج النووي الإيراني؛ سواء بحكم الطبيعة الشخصية لترامب، أو بحكم التدخلات الإسرائيلية الكثيفة. إذ يستنتج المتابع لهذا الملف – منذ وصول ترامب للسلطة – أن الإدارة الأمريكية الحالية، وإن كانت تعرف جيداً الهدف النهائي من التفاوض مع إيران، وهو عدم حيازتها سلاحاً نووياً، إلا أنها مترددة.. في ما عدا ذلك من تفاصيل. ففي حين تذهب جميع التصريحات الرسمية – من أول الرئيس، مروراً بوزير خارجيته ماركو روبيو، وانتهاءً بمبعوثه للشرق الأوسط ستيف ويتكوف – إلى أنه لا يمكن السماح لإيران بتصنيع قنبلة نووية. 

توجد مروحة واسعة جداً من التفاصيل، التي تظهر وتختفي.. من مسؤول لآخر، ومن أسبوع لآخر.. حول ما هو دون هذا الخط الأحمر؛ فتارةً يتم ربط برنامج إيران النووي ببرنامجها الصاروخي، وتدخلاتها في شؤون المنطقة.. كما في رسالة ترامب – التي حملها المستشار الإماراتي أنور قرقاش.. للمرشد علي خامنئي – وتارةً أخرى، يتم التركيز على البرنامج النووي حصرياً.. مع تهديدات بين وقت وآخر، بوجوب الامتناع عن دعم جماعة الحوثي. بل إنه في إطار التركيز على البرنامج النووي نفسه؛ تارةً يقال إنه لن يسمح لإيران ولا بـ1% من التخصيب، على نحو يُذكِّرنا بتهديد ترامب في ولايته الأولى.. بتصفير الصادرات الإيرانية من البترول، وهو ما لم يحدث بالطبع. وتارةً أخرى يقال إن من الممكن إنشاء تعاون نووي إقليمي خليجي – بالأساس – مع إيران، تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وهو حل جيد نظرياً، لكن تكتنفه هواجس خليجية.. من انعكاس تعقيدات العلاقة الأمريكية-الإيرانية عليها. وتارةً ثالثة يتم التنصل الأمريكي من هذا الاقتراح، وإلقاء مسؤوليته على إيران. 

ومن جانبها، تعي مصر جيداً.. خطورة حدوث انسداد في تواصل إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتدرك – تماماً – أن هذا الانسداد.. يمثل فرصة ذهبية لإسرائيل، من أجل التحريض على توجيه ضربة عسكرية موجعة لإيران. وتتحرك من أساسيات العلاقات الدولية، التي تفيد بأنه.. كلما تعددت مراكز القوة، زادت فرص المناورة والحرية المتاحة للحركة؛ وبالتالي فليس من مصلحة أيٍ من الدول العربية.. أن تنفرد إسرائيل بالهيمنة على الشرق الأوسط، وتسييد مشروعها الإقليمي فوق الجميع.  

وقد رأينا كيف تسعى إسرائيل لتقليص النفوذ التركي في سوريا، بعدما انتهت من النفوذ الإيراني. وهذا، وإن كان لا يعني بالتأكيد.. الموافقة على الوجود التركي في سوريا، وتغلغله في مختلف مفاصل الدولة. إلا أن المقصود.. أن إسرائيل ترفض أي منافسة إقليمية من حيث المبدأ، حتى إن كانت تربطها بمنافسها.. علاقة تاريخية وطيدة. وعندما تتوسط مصر بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإنها ترتكز على شفافيتها في التعامل مع الوكالة، والتزامها – المعلن والثابت – بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل. كما تستثمر مصر أيضاً.. حرص إيران على حل مشكلة برنامجها النووي بالوسائل الدبلوماسية. 

كل الدول.. توجد بينها مساحات اتفاق ومساحات اختلاف، والمصالح الوطنية للدول.. تقضي بتوسيع نطاق ما هو مشترك والبناء عليه، وهذا تحديداً.. ما سعت إليه مصر؛ بترتيبها لقاء «غروسي-عراقجي».  

أما الذهاب بعيداً في بعض التحليلات السياسية، إلى أن هناك محوراً جديداً آخذاً في التشكل.. من مصر وتركيا وإيران – وربما العراق والأردن أيضاً – فإن هذا النوع من التحليلات، لا يتفهَّم أسس السياسة الخارجية المصرية.. الرافضة لمبدأ المحاور، وحقيقة أن مصر – التي رفضت الاصطفاف ضد إيران في الناتو الشرق أوسطي – لن تصطف مع إيران.. ضد أحد؛ ناهيك عن أن يكون الاصطفاف ضد دول عربية شقيقة. كما أن التخويف من النظام السياسي الإيراني.. لا ينبغي له أن يوقف تطوير العلاقات المصرية-الإيرانية على قاعدة الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، فلا توجد علاقات دبلوماسية مقطوعة إلى الأبد. 

أما الكلمة الأخيرة، فهي عن هذا الحي المصري العتيق: خان الخليلي؛ الذي أضيف إلى كونه حياً ملهماً للأدب والفن والثقافة والذائقة الشعبية.. كونه محفلاً للسياسة، وملتقى للسياسيين من الغرب والشرق، وهكذا دخل مقهى نجيب محفوظ التاريخ.. من بابٍ مختلف. 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *