أمينة خيري
ترتبط فكرة الصيام بالتأمل. الامتناع عن الطعام والشراب لعدد من الساعات، يصفي الذهن وينقي الفكر. دعاة الصيام المتقطع.. يقولون إنه يساعد في التخلص من ضباب الدماغ، ويجعل الذهن أكثر صفاءً، ويزيد من شعور الصائم بالسعادة بشكل عام.
سنستثني هذه الأخيرة المتعلقة بالسعادة، حيث ما يجري حولنا في الكوكب والإقليم، وإلى حد ما على مرمى حجر منا، لا يدعو إلى السعادة، لكن – بكل تأكيد – يدعو ويتطلب ويستوجب التفكير بقدر من المرونة، ودون التقيد بمبدأ «هذا ما وجدنا عليه آباءنا».. الذي يحبسنا في سجون «العنعنة».
أرى فيما جرى في غزة منذ يوم السابع من أكتوبر 2023، وما تطورت إليه الأمور مع توسع رقعة «الحرب» – إن صح التعبير – من دك غزة، وتسمية ما يجري إما «تذكرة بالقضية التي كاد العالم ينساها»، أو «نصراً عظيماً للمقاومة» – عبر مقتل نحو 50 ألفاً من سكان القطاع (ترجح تقديرات أخرى أن يكون العدد الحقيقي نحو 64 ألفاً)، ونحو مائة ألف مصاب، ناهيك عن تعرض 59.8 بالمائة من المباني للضرر أو الدمار التام، وتراكم نحو 51 مليون طن من الركام، والحاجة إلى 21 عاماً لإزالة الركام، وتحول 90 بالمائة من سكان القطاع إلى نازحين، وامتداد الحرب إلى لبنان وتقويض قدرات حزب الله واغتيال قياداته ومقتل نحو خمسة آلاف من مقاتليه، بالإضافة لما يجري في سوريا، بدءاً من سقوط نظام بشار الأسد، مروراً بوصول «هيئة تحرير الشام» إلى السلطة.. وقوسها ما زال مفتوحاً – مدعاة للتأمل بهدوء.
ملحوظة: بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون مجرد تقييم ما جرى في السابع من أكتوبر، أو التفكير في جدوى أو ثمن أو كلفة القيام بمثل هذه العمليات.. في مقابل ما تحققه من «مكاسب»، تخلياً عن القضية، وانبطاحاً أمام الاحتلال، وتقليلاً من شأن المقاومة.. إلى آخر القائمة، فدعوة التأمل هذه لا تخصهم أو تعنيهم، بل لا جدوى منها أصلاً.
التأمل فيما جرى – ويجري – في المنطقة العربية؛ للخروج بفهم أكبر لما يحدث، أو للقدرة على توقع ما ستسفر عنه المجريات، وربما حتى الاستعداد لما نحن مقبلون عليه، يحتاج إلى حد أدنى من تحرر العقل، وقدرة العين والمخ والقلب على رؤية المتغيرات.. لا التقيد بحدود ما نتمناه أو ما عهدناه، أو ما كان مكتوباً على ظهر كراسات المدرسة من «قُل» و«لا تقل».
ويكفى مثلاً أن يباغتك هذان العنوانان.. من منصتين إعلاميتين عربيتين ذائعتي الصيت، حين تكتب كلمتي «غزة» و«سوريا»: «غزة تحتفل بسقوط الطاغية الأسد.. رغم أوجاعها، وعلى أطلال ركامها»، و«هل يؤدي سقوط الأسد.. لتقارب؟ وربما تطبيع للعلاقات بين سوريا وإسرائيل؟»، فتجد نفسك في حالة إلى التفكير بهدوء.
وبعيداً عن مجريات ونتائج القمة العربية الطارئة التي انعقدت في مصر، وعما ستسفر عنه الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة، يظل الصيام فرصة لمحاولة الفهم، بعيداً عن «الجعجعة» وكذلك «العنعنة».
نقلا عن «المصري اليوم«