Times of Egypt

السودان.. بين المجاعة واستعادة القصر!

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

عبدالله عبدالسلام


ربما تُصبح استعادة الجيش السوداني السيطرة على القصر الجمهوري في الخرطوم.. بداية النهاية للحرب
الأهلية المشتعلة منذ عامين. لكن – وكما يتفق محللون عسكريون – هذا النهاية ليست على مرمى البصر،
وقد تأخذ وقتاً طويلاً.
وحتى يأتي النصر، وتعود للسودان وحدته، من المهم أن نتذكر أن الضحية الأكبر لهذه الحرب.. هم
المدنيون، الذين يدعي الطرفان المتحاربان – سواء الجيش أو قوات الدعم السريع – أنهما يحاربان من
أجلهم، بينما الواقع يقول إنهم يموتون قصفاً، أو جوعاً.. بسببهما. البلد الوحيد في العالم حالياً، الذي تأكد
فيه حدوث المجاعة.. هو السودان. وفي دول ومناطق أخرى، هناك تحذيرات، لكن الكارثة – التي حلَّت
بالفعل في السودان – لم تقع هناك.
محاولات المجتمع المدني – لإنقاذ ملايين الناس من الموت جوعاً – تصطدم بعدم وجود ممرات آمنة..
للوصول إلى المناطق الموبوءة، وهي عديدة. والمناشدات الدولية لا تلقى آذانا صاغية.. لدى الطرفين
المتحاربين. نصف الشعب السوداني تقريباً – أي حوالي 25 مليون نسمة – يعانون.. إما نقص الغذاء، أو
المجاعة. وطبقاً للأمم المتحدة، تضرب المجاعة 5 مناطق.. هي مخيمات زمزم والسلام وأبوشوك
للنازحين داخلياً، وفي جبال النوبة الغربية، مع توقع أن تتأثر 5 مواقع إضافية بالمجاعة؛ جميعها شمال
دارفور.. خلال الفترة الحالية وحتى مايو المقبل. وهناك خطر وجودها في 17 منطقة أخرى.
تجميد المعونات الأمريكية، تسبَّب في وقف عمل 80٪ من إجمالي ألف مطعم طوارئ، كانت شريان حياة
لمئات آلاف الأشخاص. ترامب قطع هذا الشريان. هل هناك من يسارع لإنقاذ الوضع، ويعوض وقف
المساعدات الإنسانية الأمريكية؟! الجالية السودانية في الخارج، لا يملك أفراد كثيرون منها.. المال الذي
يمكنهم أن يحولوه إلى مؤن غذائية، وطبية، وملابس.. لمساعدة بني جلدتهم. منظمات الإغاثة والحكومات
العربية.. مطالبة بسد النقص، والإسهام بشكل أكبر في إنقاذ أرواح السودانيين.
المجاعة ليست محض خيال، ولا مبالغة. الكاتب الأمريكي البارز نيكولاس كريستوف زار مخيمات
للنازحين، وشهد الأوضاع الكارثية بأم عينه، وعاد ليحذر من أن مجاعة السودان.. ستصبح الأسوأ في

التاريخ، إذا لم يقدم العالم المساعدات. ستتجاوز في وحشيتها، المجاعة المروعة التي نهشت إثيوبيا
1984، وأودت بحياة 10 ملايين شخص.
الروائي العبقري السوداني الطيب صالح (1929- 2009)، كتب مقالاً – قبل سنوات طويلة – قال فيه:
«أنتمي إلى أمة مقهورة ودولة تافهة.. من الذي يبني لك المستقبل، يا هداك الله، وأنت تذبح الخيل وتُبقي
العربات، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات؟ هل حرائر السودان.. مازلن يتسولن في شوارع الخرطوم؟ هل
مازال أهل الجنوب ينزحون إلى الشمال، وأهل الشمال يهربون إلى أي بلد يقبلهم؟.. من أين جاء هؤلاء
الناس؟، بل مَن هؤلاء الناس (قاصداً أهل الحكم)؟».
يا أديبنا الراحل الطيب.. حال السودان أضحى أسوأ بكثير.. مما سطَرت بقلمكم المُبدع. أصبح الذبح للبشر
والخيل والعربات. البلاد – من شرقها إلى غربها – ساحة معارك كبرى.. وقودها الشعب.
لا أحد يفكر في المستقبل، بل في النجاة والفرار إلى الخارج. المجد الذي يطمح المتحاربون إلى تحقيقه،
يجري بناؤه على أشلاء السودان والسودانيين.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *