Times of Egypt

ليت ترامب يقرأ

Mohamed Bosila
أحمد الجمال

أحمد الجمال..
في الوقت نفسه الذي يستميت فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. في تحصين حدود بلاده؛ خاصة تلك الجنوبية المشتركة مع المكسيك، لدرجة الشروع في إنشاء أسوار وموانع تقنية، تحول دون تسرب لأي بشر، وربما أي كائن حي، سواء من على سطح الأرض أو عبر باطنها بالأنفاق، فإنه يبيح لنفسه – ومن ثم إدارته – أن تطالب دولًا ذات سيادة.. بأن يبتلع قادتها تصريحاتهم ومواقفهم الوطنية الخالصة، فيقبلوا بفتح حدودهم لهجرة آخرين!
وما يزيد الأمر سوءاً في هذا الصدد، أن من يطالبهم ترامب بذلك، ويطلب استقبالهم، ليسوا في حالة طبيعية عادية، مثلما هي المكسيك أو غيرها من الدول المصدرة للهجرة للولايات المتحدة، لأن الطرفين يعيشان حالة لم يحدث مثلها في تاريخ البشرية المعروف، اللهم إلا فترات تحرك التتار والمغول، وأيضًا القبائل التي اصطلح على تسميتها «المتبربرين»..من الجرمان والقوط والواندال والهون.
هؤلاء وأولئك.. الذين قوّضوا الحضارة الإسلامية في الشرق – ممثلة في الخلافة العباسية -، وقوّضوا الحضارة الرومانية في الغرب، بحالة من العدوان الهمجي العنصري الصهيوني، الذي يفوق بمراحل همجية النازية والفاشية، ومن قبلها التتار والمغول «والمتبربرين» في أوروبا، لكن ترامب يغض بصره عن تلك الهمجية، وعن وحشية الدولة الصهيونية.. بجيشها وساستها وعصابات القطعان الاستيطانية، ليطلب من مصر والأردن تنفيذ ما يريد!
إنني – وبغير تجاوز لأي حدود إنسانية – أراهن أن الرئيس الأمريكي لم يطالع كتابًا في تاريخ أمريكا، ولا أوروبا ولا الشرق.. من أدناه ووسطه إلى أقصاه، وطبعًا سيكون من العبث.. مطالبته بأن يخصص وقتًا للقراءة، أو يكلف أحدًا من معاونيه بتلخيص المعلومات التاريخية.. الخاصة بمصائر كل الإمبراطوريات القديمة والحديثة، وكل حركات الاستعمار والعنصرية، تلك التي كانت تعتقد – في أوقات صعود الخط البياني لقوتها وعظمتها – أنها لن تزول، وأنها مخلدة، وأن أحداً لا يستطيع هزيمتها، دون أن تفطن إلى أنه ليس شرطاً لحدوث الأفول والاضمحلال، التعرض لعدوان خارجي أو حصار، وإنما الأغلب أن يحدث الأفول والاضمحلال ـ بل والتلاشي – بسبب الخلل الداخلي، وافتقاد إدارة الإمبراطورية ونخبها.. لأي منظومات أخلاقية، إنسانية تعرف معاني حقوق الإنسان، مطلق الإنسان، مكاناً وزماناً، وتعرف العدل وعدم الكيل بمكيالين، والانحياز للمظلوم صاحب الحق، وتعرف أن الاعتقاد غير الصحيح للأديان، وتحويلها من رسالات تهدف للعدل ونفي الظلم، إلى أساس للظلم والعدوان، وغير ذلك من مبادئ.. هو الذي يودي بالإمبراطوريات والدول، التي سُميت العظمى.. في وقت من الأوقات.
ولقد حدث في الأيام الفائتة، أن اتخذ ترامب قراراً بترحيل الكولومبيين.. المهاجرين إلى بلاده، وتعاملت أجهزته معهم بشكل عنصري، فما كان من رئيس كولومبيا إلا أن أصدر تعليماته.. بإغلاق المجال الجوي لبلاده، حتى لا يكتمل التصرف العنصري اللاإنساني الأمريكي، وقرر أن يرسل طائرة رئاسية تحمل أبناء وطنه المطلوب إعادتهم، ثم وجَّه رسالة منه – كرئيس لكولومبيا – إلى دونالد ترامب، يتحداه، ويقول له في رسالته.. التي صدرت بعد أن فرض ترامب عقوبات اقتصادية فادحة، على ذلك البلد الأمريكي الجنوبي:
«إذا كنت تعرف شخصاً عنيداً، فأنا هو ذلك الشخص.. ويمكنك – بمحاولتك الاقتصادية المتعجرفة – أن تحاول تنفيذ انقلاب ضدي.. كما فعلتم مع الليندي، فإنني سأموت على مبادئي.. لقد صمدت أمام التعذيب وسأصمد أمامك. إنني لا أريد مُستعبدِين ـ اسم فاعل ـ بجانب كولومبيا، فقد عانينا منهم بما يكفي، وتحررنا.. ومن أريده – بجانب كولومبيا – هم عشاق الحرية. كولومبيا هي قلب العالم، وأنت لم تفهم ذلك.. إنها أرض الفراشات الصفراء، وجمال «ريميديوس». ولكنها أيضًا أرض العقيد «أوريليانو بوينديا»،وأنا أحدهم وربما الأخير.. قد تقتلني، لكنني سأبقى في شعبي.. الذي وُجد قبل شعبك في الأمريكتين.. نحن أبناء الرياح والجبال، والبحر الكاريبي والحرية.. أنت لا تحب حريتنا.. حسناً.. أنا لا أصافح المستعبدِين البيض. بل أصافح البيض الأحرار.. ورثة «لينكولن»، والفلاحين السود والبيض في الولايات المتحدة، الذين بكيت وصليت عند قبورهم في ساحة معركة، وصلت إليها بعد أن اجتزت جبال توسكانا الإيطالية، وبعد أن نجوت من كوفيد. أسقطني أيها الرئيس، وسترد عليك الأمريكتان والإنسانية… لن تسيطر علينا أبداً.. يقف ضدك المحارب، الذي جاب أراضينا صارخًا بالحرية.. ويُدعى بوليفار».
ثم يختم الرئيس الكولومبي رسالته لترامب بعبارات تقول: «حصارك لا يخيفني.. وكولومبيا من اليوم تفتح أبوابها للعالم. نحن بناة الحرية.. الحياة.. والإنسانية.. فلنزرع الذرة التي تم اكتشافها في كولومبيا، ونغذي العالم».
نقلاً عن «الأهرام»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.