Times of Egypt

لماذا ينشغل العالم بأحوال الطبقة الوسطى؟ (2-2) 

Mohamed Bosila
سمير مرقص 

سمير مرقص 

(1) 

«لماذا الانشغال بالطبقة الوسطى؟» 

أوضحنا في مقال الأسبوع الماضي، أن هناك تزايداً بحثياً وعالمياً من قبل الأكاديميات والمؤسسات الدولية التنموية والمالية.. بأحوال الطبقة الوسطى حول العالم؛ في دول الشمال والجنوب: الغنية والفقيرة، ومتوسطة التنمية، والبازغة.. على السواء 

ويرجع هذا الاهتمام إلى أمرين، هما: الأول: أن الطبقة الوسطى تمثل ما يقرب من 50٪ من سكان العالم، أخذاً في الاعتبار التطور الذي لحق بتركيبها، وهو ما فصّله في «تشريح» غير مسبوق لعالم الاجتماع البريطاني «جي ستاندينيج».. جدد فيه ملامح الخريطة الطبقية التقليدية؛ خاصة فيما يتعلق بالطبقة الوسطى من جهة، ورصد ما وصفه بطبقة «البريكاريات»، أو ما أطلقنا عليه بالعربية طبقة «المنبوذين».  

وفيما يتعلق بالطبقة الوسطى، ميز «ستاندينيج» بين الشريحتين التقليديتين اللتين تكونان الطبقة الوسطى، أي الطبقة الوسطى المستقرة.. التي تبلغ 25٪، والطبقة الوسطى المهنية.. ونسبتها 6٪ في المتوسط. وبين الشريحة الثالثة التي جدت على تلك الطبقة، والتي وصفها بالطبقة الوسطى التي تنتمي إلى العمالة الجديدة. ويقصد بها العمالة الرقمية، والتي باتت تبلغ نسبتها 15٪ من الجسم الطبقي. أما الأمر الثاني: فهو أثر التقلبات الاقتصادية، والتحولات الاجتماعية، والصراعات السياسية والعسكرية، والأخطار البيئية والمناخية والطبيعية.. على وضعية الطبقة الوسطى حول العالم. 

(2) 

«الطبقة الوسطى تحت القصف والاعتداء» 

فلقد أثرت العوامل السابقة سلباً.. على أحوال الطبقة الوسطى، ومثلت تناقضاً لكل ما حاولت أن تروج له الجوقة الدولية، وامتداداتها في دول العالم.. لليبرالية الجديدة، حول ما دعته: «الصعود اللا هوادة فيه للبرجوازية النامية». بيد أن الواقع العملي تناقض مع كل ما روّج له «عرابو» النيوليبرالية، حول المستقبل المُشرق الذي ينتظر الطبقة الوسطى 

ومن ضمن العوامل السلبية – التي تأثرت بها الطبة الوسطى – نرصد الآثار التالية: أولاً: الصراع على العدالة التوزيعية. ثانياً: التفاوت في الدخول، وثالثاً: المعاناة الشديدة من التمييز في الفرص الحياتية، ورابعاً: تأثر أصحاب المهن التقليدية بالتقدم التكنولوجي؛ ومن ثم تراجع المستفيدين منه من أعضاء الطبقة الوسطى إلى أقل من 10٪.. وهؤلاء هم العمالة الجديدة الرقمية. وتبين إحصائيات كثيرة، أن باقي شرائح الطبقة الوسطى خلاف المنتمين إلى العمالة الجديدة الذين تبلغ نسبتهم ما يقرب من 40٪، قد تعذرت قدرتهم على مجابهة المصاريف الأساسية.. بنسب متزايدة. تلك المصروفات التي تتعلق بما يلي: أولاً: رعاية الأطفال. ثانياً: تكلفة التعليم عامة، والجامعي خاصة. ثالثاً: التأمين الصحي. رابعاً: السكن. خامساً: الانتقالات 

كما لوحظ أنه في بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، انخفض متوسط دخل بعض الأسر – التي يقل سن أربابها عن 65 عاماً – بحوالي 3000 دولار.. في العقدين الأخيرين. ما دفع البعض إلى وصف حال الطبقة الوسطى، بأنها أصبحت – بفعل السياسات النيوليبرالية – تحت «القصف والاعتداء» المستمر،.. والممتد على مدى عقود. ونشير هنا إلى الرؤية المبكرة للاقتصادي الراحل الكبير العالم «رمزي زكي» عندما أطلق مقولته التحذيرية: «وداعاً للطبقة الوسطى»؛ في ضوء دراسته للكثير من الدول في الشمال المتقدم، والجنوب الصاعد والفقير، وكيف ستتأثر الطبقة الوسطى، ومدى ما ستعانيه.. بأفول دولة الرفاه من جهة، وتراجع الدول عن التدخل لصالح مواطنيها من جهة، والطبقة الوسطى من جهة أخرى. 

(3) 

«دراسة وتقرير حول إحباطات وشوائب الطبقة الوسطى» 

ونتج عما سبق، انشغال الدوائر البحثية والمؤسسات الدولية بمستقبل الطبقة الوسطى. وفي هذا المقام، نشير إلى دراسة مهمة وتقرير معتبر، وذلك كما يلي: أولاً: دراسة عالم الاجتماع السويدي «جوران ثيربورن»، المعنونة: «أحلام وكوابيس الطبقات الوسطى في العالمDreams & Nightmares of The World›s Middle Class» وثانياً: تقرير الإسكوا/ الأمم المتحدة المعنون: «الطبقة الوسطى في البلدان العربية.. قياسها ودورها في التغيير». إذ تخلص الدراسة.. إلى أن السياسات الاقتصادية التاتشرية/ الريجانية (النيوليبرالية مهدت الطريق – بشكل رئيسي – إلى لا مساواة تاريخية غير مسبوقة.. بين الأغنياء والفقراء من ناحية، ومن ناحية أخرى.. بين شرائح الطبقة الوسطى، أي بين العمالة الرقمية والعمالة التقليدية والمهنية 

أما التقرير، فيشير بوضوح إلى: الشوائب العميقة، التي علقت بنماذج التنمية.. التي اعتمدتها معظم البلدان العربية منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي. الخلاصة – كما خلصت دراسة صادرة حديثاً – أن هناك خطراً يحيط بالطبقة الوسطى، مصدره: تفاقم الإحباطات التي تلحق بها.. ما سيترتب عليه «كوابيس» مجتمعية شديدة الخطر. ولعل الإخلال بالعقد الاجتماعي.. أحد أهم تداعيات تلك الكوابيس؛ ما يستدعي إعادة النظر في الخيار الاقتصادي والنموذج التنموي، كذلك استعادة دور الدولة.. لضمان التوزيع العادل، ومواجهة أي إعاقات بنيوية للتنمية المستدامة؛ خاصة اللا مساواة. ما يلزم مشاركة الطبقة الوسطى ذاتها.. في بلورة السياسات التنموية. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.