Times of Egypt

قناة السويس: بقلوب وبعيون المصريين..

Mohamed Bosila
محمد أبو الغار 

محمد أبو الغار..
هذا عمل نادر قامت به أستاذة عظيمة.. عاونها مجموعة من الأكاديميين المتميزين، ليعبِّروا عن روح، وقلب، وعقل المصريين.. بمقدرة علمية وطنية رصينة. هو كتاب يوضح مشاعر المصريين تجاه مشروع قناة السويس، فهو ليس كتاب تاريخ ولا جغرافيا، ولا يشكل موقفاً حكومياً، ولا يحمل عبارات حنجورية.. تجاه أحداث القناة، وإنما يوضح ارتباط المصريين بها ويحكي عن حكاويهم حولها، وحبهم وكراهيتهم لأحداث وقعت لها. هو كتاب للشعراء والأدباء والقصاصين والحكائين، وللمحبين من الشباب الغاضب. فلم يكتبه الحكام ولا الجنرالات ولا رجال الأعمال. هو كتاب يعبِّر عن روح أبناء مصر الحقيقيين، قدَّمته صاحبة المشروع.. ليتحدث باسم أبناء مصر إلى الشعب الفرنسي والأكاديميين الفرنسيين.
التقطت د. راندة صبري وزملاؤها – بموهبة فائقة – لقطات تم تجميعها.. لتصبح تاريخاً مختلفاً لقناة السويس، وتمَّت ترجمة كل ذلك إلى اللغة الفرنسية، ونشرته جامعة جرينوبل الفرنسية العريقة. هذا مشروع مصري.. يقول للفرنسيين، ثم لكل العالم.. حين يُترجم الكتاب إلى لغات أخرى: ماذا تعني قناة السويس لمصر والمصريين.
تبدأ الحكاية بالفرنسي سارجا موس – ذي الأصول المصرية.. من الدلتا – الذي حكى الحكاية الحقيقية للقناة، والظلم الذي حاق بمصر، ونظّم معهد العالم العربي في باريس معرضاً كبيراً استمر شهوراً عن قناة السويس.
ينقسم هذا الكتاب العظيم إلى ثلاثة أجزاء كبرى؛ أولها: نشأة فكرة القناة.. منذ زيارة بونابرت لمنطقة البرزخ وحتى الاحتلال البريطاني عام 1882، ويُعتبر الانتهاء من شق القناة والاحتفالات الكبرى التي تمت عام 1869 أهم أحداث الفترة الأولى.
جزء الفترة الثانية: من 1882 حتى تأميم شركة قناة السويس في يوليو 1956. والجزء الثالث: من لحظة خطاب عبد الناصر بتأميم القناة، حتى إعادة الملاحة فيها عام 1975 بعد 8 سنوات من توقفها.
يُبرز الكتاب البذخ الشديد في حفل افتتاح القناة، ثم يذكر أهم كتاب نُشر عن الظلم والأخطاء الشديدة في اتفاقية قناة السويس، وهو رسالة الدكتوراه للمصري مصطفى الحفناوي (1911 – 1981) في جامعة السوربون بباريس، والتي ترجمها ابنه لاحقاً للعربية. وهذه الرسالة كانت المصدر الرئيسي الذي استخدمه عبد الناصر وفريق المصريين عند التأميم ليُبرزوا أحقية مصر.
وذكر الكتاب آراء عدد من المصريين؛ بعضهم كان معارضاً للتأميم.. مثل د. عبد الرحمن بدوي في «سيرة حياتي»، وكتاب جَلبيري أفلاطون (زوجة د. إسماعيل صبري عبد الله وأخت إنجي أفلاطون)، وكان بعضهم مؤيداً للتأميم. وذكر مشاعر الشباب المصري تجاه تأميم القناة، وتفاصيل أحداث العدوان الثلاثي وحتى هزيمة 1967.. من عدة مصادر، منها كتاب «على هامش الرحلة» لمحمد أبو الغار، وأشعار عدد من كبار الشعراء مثل صلاح جاهين في أغاني «محلاه مصري»، «يا سائق الغليون»، وموال «علشان القنال»، وكذلك من أعمال الأبنودي أغنية «يا بيوت السويس» وقصيدة «رسالة من الراجل اللي فحت القنال».
والكتاب تُعتبر بدايته عام 1850 حين بدأت القناة كفكرة ونهايته بعام 1975 يوم إعادة افتتاحها. بالطبع فيرديناند دوليسيبس كان المحرك الرئيسي للفكرة – حين كان قنصلاً لفرنسا في الإسكندرية عام 1853 – وأصبح مديراً لشركة قناة السويس العالمية حتى وفاته. والفكرة بدأت منذ عصر محمد علي؛ على يد لينان دوبلفون.. الذي قام بدراسات ورسومات لمشروع القناة، ولكن محمد علي لم يوافق على مشروعه.
عباس الأول كان رافضاً لجميع المشاريع الأجنبية.. باستثناء خط سكة الحديد. وعندما تولى الخديوي سعيد الحكم، أعطى دوليسيبس الموافقة ووقَّع على فرمان في 1854 وفرمان آخر في العام التالي مجحفاً تماماً لحقوق المصريين، وأُعطيت الشركة امتيازاً مدته 99 عاماً.. من بدء التشغيل، ومُنحت الأراضي حول القناة بدون رسوم أو ضرائب، ويحق لها زراعة الأرض عشر سنوات بدون ضرائب، ولها الحق في الاستفادة من قناة من النيل للشرب والزراعة، ولها الحق في استخراج المعادن من المناجم، واستخدام كل المباني بدون رسوم أو أي جمارك، ويُعيَّن دوليسيبس لمدة عشر سنوات مديراً للشركة، وحصة مصر من الأرباح 15% فقط.
أصدر طلعت حرب كتاباً عن القناة عام 1910، حيث أظهر حجم الخسائر المصرية، وكتاب محمد صبري.. السوربوني المهم عن القناة. وفي مجلة «صباح الخير» عام 1965 كتب الشاعر أمل دنقل قصيدة «أوجيني».. وهي زوجة نابليون التي حضرت افتتاح القناة.
وتحدَّث عبد العزيز الشناوي عن السُّخرة في حفر القناة عام 1965، وأصدرت الروائية سهام بيومي رواية بعنوان «أيام القبوطي، الرؤية والمتاهة»، عن مأساة قرية الفارما التي أصبحت مدينة بورسعيد. وقد انتقد نوبار باشا بشدة مشروع قناة السويس والظلم الواقع على مصر، وكان وزيراً للخارجية، ثم رئيساً للوزراء.
يتحدث الكتاب عن الفيلق المصري وكل ما كُتب عن العمال المصريين الذين عملوا مع الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى والظلم الواقع عليهم. ويتحدث كذلك عن عمل هام صدر بالفرنسية في باريس لسمير أمين.
وبالطبع تحدَّث الكتاب عن تأميم القناة وخطاب عبد الناصر الشهير، وكيف استولت مصر على القناة واستطاعت أن تديرها بكفاءة، وتفاصيل عدوان 1956، وعن عمل الفنان التشكيلي د. أحمد نوار «عين الصقر». يذكر الكتاب كل من تأثر بالقناة وأحداثها مثل «الباب المفتوح» للطيفة الزيات، و«حكايات الغريب» لجمال الغيطاني، و«طيور العنبر» لإبراهيم عبد المجيد، وأعمال قاسم مسعد عليوة، و«الإسماعيلية كما أتذكرها» للراحل رؤوف عباس، وأعمال مهندس تخطيط المدن نجيب أمين، ورواية ريم بسيوني «سبيل الغارق»، و«غرائب الملوك ودسائس البنوك» لمجيد طوبيا.
هناك عشرات الكتب باللغة الفرنسية وجميع اللغات الأوروبية عن قناة السويس وتاريخها وإنشائها والحروب التي حدثت حولها، وكلها كتبها مؤرخون أو باحثون، ولكن لم يكتب أحد وجهة نظر المصريين، وماذا قال المصريون ملوكاً ورؤساء، والأهم من ذلك لم يسمع أحد رأي كتّاب الشعب ومثقفيه. ويؤرخ هذا الكتاب أيضاً للمأساة التي كادت أن تحدث عام 1910 بتجديد عقد قناة السويس.
أرجو أن يُترجم هذا الكتاب إلى العربية عن طريق إحدى دور النشر الخاصة أو الحكومية، ويصدر في صورة تليق بالمجهود الذي بُذل فيه.
شكراً لأعضاء هيئة تدريس قسم الآداب الفرنسية في جامعة القاهرة: الدكاترة هناء سيف النصر، وأماني مصطفى، ونجلاء فرغلي، وإيناس الصيرفي، ومنى فاروق، وهبة الصباغ، وكذلك الفريق الفرنسي بقيادة سارجا موس. وأعتقد أننا جميعاً نشعر بحجم وضخامة العمل الذي قامت به الدكتورة راندة صبري، التي هي قامة كبيرة في الدعم الأكاديمي لقسم آداب اللغة الفرنسية، وعلى مشروعات ثقافية وفنية هامة لمصر. فبمثل هؤلاء تتقدم مصر إلى الأمام وترتفع. وهكذا يكون الأكاديميون الأحرار الذين يؤمنون بالحداثة، ويعملون لتقدم الوطن.
قوم يا مصري، مصر دايماً بتناديك.
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *