Times of Egypt

غزة.. حان أوان المراجعات!

Mohamed Bosila
عبدالله عبدالسلام 

 

عبدالله عبدالسلام..

بعد النشوة الكبرى.. التي اجتاحت العالم العربي فور معرفته بهجمات حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وبدء العدوان الوحشي على غزة وشعبها، وقفت الغالبية الكبرى مع حماس، ودعمتها بلا حدود. وباستثناءات قليلة بين صفوف النخب العربية.. تساءلت عن جدوى الهجمات، والثمن الباهظ الذي سيدفعه الفلسطينيون – والقضية الفلسطينية ذاتها – فإن الرأي العام العربي.. رأى أنه لا يصح توجيه النقد إلى حماس، في وقت تقاتل فيه جيشاً استئصالياً؛ لا يتورع عن ارتكاب جرائم حرب وإبادة، وجرائم ضد الإنسانية.. على مرأى ومسمع من العالم.

لكن بعد التوصل لاتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين، والعودة إلى الهدوء المستدام؛ بما يحقق وقفاً دائماً لإطلاق النار.. وفق نص بيان الوسطاء، فإن هناك ضرورة للنقاش.. بشكل موضوعي وهادئ ودون انفعال؛ لتقييم كل ما حدث منذ هجمات حماس، وما تلاها من عدوان همجي، وطرح تساؤلات أحجم كثيرون عنها وقت الحرب. هذا النقاش، ليس منوطاً بالمفكرين والكتاب والصحافة والإعلام والرأي العام الفلسطيني والعربي فقط، بل مسؤولية حماس والسلطة الوطنية، وبقية الفصائل بالدرجة الأولى.

صحيح أن الدماء مازالت ساخنة، والدمار هو العنوان الرئيس في غزة، إلا أنه من المهم.. جعل مراجعة ما جرى أولوية، بل فرض عين.

أعتقد أن كثيرين لن يختلفوا.. على أن حركة النضال الفلسطيني تلقت ضربات ساحقة ومؤلمة.. خلال الخمسة عشر شهراً الماضية. ابتعدت كثيراً طموحات الحصول على الحقوق، وإنهاء نظام الفصل العنصري، وتلاشت آمال قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. الحرب الدموية – الأطول منذ نكبة فلسطين 1948 – خلّفت حقائق جديدة على الأرض. تقريباً انهار الأفق السياسي، ولم يعد الحديث عن المستقبل ممكناً.

صحيح أن إسرائيل – قبل هجمات حماس – نجحت.. بمساعدة إدارة ترامب، في استبعاد القضية الفلسطينية من سُلّم أولويات المنطقة، وأنهت الحديث عن أي مفاوضات بشأنها، إلا أن هناك من اعتقد أن تلك مسألة مؤقتة.. قد تنتهي مع خروج نتنياهو من السلطة، وتغيير الإدارة الأمريكية.

الحرب كرست استبعاد القضية الفلسطينية.. بعناصرها الأساسية؛ وفي مقدمتها الدولة المستقلة، وجعلتها أقرب إلى قضية إنسانية.. تتطلب إنقاذ الفلسطينيين من القتل والتدمير والتشريد، بل والترحيل. ساهم في ذلك الانقسام الفلسطيني.. الذي استغلته إسرائيل في ارتكاب مزيد من الجرائم، وتجاهل رد الفعل العالمي، وحتى القضاء الدولي. الحرب العدوانية – التي كان من المفترض أن تؤدي لتقريب بل توحيد الرؤية والتحرك بين الفلسطينيين – فاقمت الانقسامات، والاتهامات المتبادلة بين حماس والسلطة، في وقت استهدفت إسرائيل الجميع؛ سواء بالقتل والتدمير والإبادة في غزة، أو بالاقتحامات وسرقة الأراضي والممتلكات في الضفة.

لكن التكلفة البشرية للحرب.. هي الأقسى والأكثر ألماً وحزناً. الإحصاءات عما خلفه العدوان مرعبة. 46 ألف شهيد. منظمات إنسانية تقول.. إن الرقم الحقيقي تجاوز 70 ألفاً. 110 آلاف جريح؛ ربعهم إصابات دائمة. 9 من كل 10 منازل.. تهدمت أو تضررت، للدرجة التي جعلت خبراء دوليين يتحدثون عن جريمة «قتل المنازل»، تماماً مثل إبادة البشر. كان هناك 564 مدرسة قبل الحرب، 534 منها جرى تدميرها.. أو جعلها غير صالحة للتعليم. تلاميذ غزة (660 ألفاً) لم يتلقوا تعليماً رسمياً خلال عام كامل.1,9مليون شخص، أي 90٪ من أبناء القطاع، نزحوا مرات عديدة. مئات الآلاف يعيشون في الخيام والملاجئ.. التي لم يتورع الاحتلال عن قصفها. النظام الصحي لم يعد موجوداً تقريباً. الحرب خلفت 40 مليون طن من حطام المباني والمنازل. إزالة الألغام ستستغرق 10 سنوات.

هل فكر الذين خططوا.. ونفذوا الهجمات، في أن تلك ستكون النتيجة؟ وهل كان من الممكن التوقف عن بعض ممارسات.. جرت خلال الهجمات، استغلتها الدعاية الصهيونية وبررت بها الوحشية التي تعاملت بها مع الفلسطينيين؟طريقة إدارة الحرب – خلال الشهور الماضية – وكذلك المفاوضات، تحتاج أيضاً إلى مراجعات. ليس هذا وقت إصدار الأحكام. التاريخ، وما سيحدث مستقبلاً.. كفيلان بالحكم. حتى المنتصرون في الحروب، يُجرون مراجعات، فما بالنا بقطاع.. جرت تسويته بالأرض عن بكرة أبيه، وقضية فلسطينية عادت للوراء عشرات السنين. السلطة الفلسطينية – أيضاً – مطالبة بهذه المراجعات.. لماذا ركزت كثيراً على الخلاف مع حماس؟ وكيف تحولت الضفة إلى ساحة مستباحة للعدوان؟ واغتصاب الأراضي دون أن تفعل شيئاً؟

المرحلة المقبلة مصيرية للقضية الفلسطينية.. تكون أو لا تكون. مطلوب – وبشكل عاجل – الاتفاق على استراتيجية للتحرير، ووسائله؟ ومتى يكون سلماً، أو نضالاً عسكرياً؟أساليب الماضي، والنكوص على اتفاقات توحيد الصف، والاستفراد بالقرار، وعدم إشراك المواطنين في القرار؛ بداية من الانتخابات.. وحتى الموافقة على الاتفاقات، لم تعد تصلح.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.