Times of Egypt

طغيان السلبية والاستكانة لاحتلال العقل! 

Mohamed Bosila
مودي حكيم  

مودي حكيم  

هناك مقولة من أساطير الأولين، ومثل متوارث جيلاً عن جيل.. بين الناس، ذلك المثل القائل (كثرة التكرار تعلم الحمار!). بعض الناس يحفظون الكتاب من الغلاف إلى الغلاف.. بكثرة التكرار، دون إعطاء العقل الإنساني فرصة للتفكر والتدبر، واستخراج النتائج الإيجابية والعبر التي تخدم الإنسان والإنسانية، وأكثر الناس وقعت في القرن الحالي – في استسلام وضعف واستكانة – كعبيد، لما تنزف به مخدرات صُناع التواصل الاجتماعي وتطبيقاته.. بأسلحتهم الخداعة الناعمة، السامة، القاتلة. إن علماء وخبراء تطوير الذات، والمختصين في التنمية البشرية.. يقولون: «إذا أردت أن تحقق شيئاً، فكرره بينك وبين نفسك، حتى تجلب ما يسمى الكثافة الحسية.. داخل عقلك الباطن». 

تمحور وتحور المثل القديم لدى بعض الناس، ولم يعجبهم تعلم الحمار، وقاموا بنسخ مثل جديد موازٍ يقول «كثرة التكرار تعلم الشطار»!.. لإقناع النفس بالرؤية الإنسانية الجديدة، التي أوحت بها وطبقتها عصابات جديدة تحكم العالم.. بتشويه الفكر والقيم والمبادئ، فيصبح مدمنوها عبيداً لما يبث كل ثانية، بل كل نبضة ضوئية في الزمن الفيمتو ثانية، وكأن عالمنا الكبير أحمد زويل.. توصل بهذا الاكتشاف لما سيحاصر الإنسان مستقبلاً في عصر الذكاء الاصطناعي. 

أبرز أساتذة الفلسفة العرب، الدكتور عبدالرحمن بدوي.. في أول كتاب له صدر عام 1939 – عن الفيلسوف الألماني نيتشه – عرض الصورة التي يجب أن يكون عليها الإنسان، ووجوب وضع القيم التي تعمل على السمو بمستوى الإنسانية، والارتقاء بها في سُلَّم العلاء على الحياة. يقول نيتشه: «أريدُ أن أعلّم الناس معنى وجودهم، ليدركوا أن الإنسان المتفوق.. إنَّما هو البرقُ السّاطعُ من الغيومِ». 

فأين نحن الآن من هذا الإنسان الذي تخيله وتمناه «نيتشه»، نحن أمام إنسان ينقصه الطموح والإبداع، ويكره المخاطرة، وتستهلكه «المساعي التافهة»، ويخلو من العاطفة و«إرادة القوة» التي قدَّرها نيتشه كجوانب أساسية للعظمة البشرية. إنسان أصبح أسير «عبودية» العصر.. في شاشاته الكبيرة والصغيرة، لم يعد يعيش الحياة بعفوية وتلقائية، وإنما يهتم بنشر «أفعاله» أو نشر حياته المفتعلة، بغرض استعراضها على مواقع التواصل، التي تتقاسمها جماعات تتنافس في نشرها وتحليلها، تزويرها وبترها، استغلالها وتأويلها، ولكلٍّ فيها مآرب شتى؛ فلم يعد الإنسان مبدعاً، بل مجرد «راتق».. لفقدانه هويّته الخاصة. وأصبحت الشاشات ساحة أثيرة.. لصناعة الآراء وتوجيهها، وإدارة الصراعات، والتجسس والجمع الرهيب للمعلومات.. للتحكم في البشر. شاشات.. إدمانها يسبب الجفاف والتصحر العاطفي، زنزانة يحصر الإنسان نفسه بين زواياها المعتمة. وكمثال، ربطت دراسات عدة بين «تيك توك» وبين ارتفاع حالات القلق والاكتئاب، وارتفاع معدلات الانتحار بين المراهقين، منذ تأسيسه عام 2018. 

ولعلّ التمرير الذي لا ينتهي على الهواتف المحمولة، أو ما بات يسمّى بالـ doomscrolling، هذا الانهماك اللحظي بالمشاهدة والفضول المستمر، هو المثال الأفضل للهروب. ويفسره أحد الأطباء المتخصصين بقوله: «كما هو الحال مع العديد من السلوكيات الإدمانية الأخرى، فإن التمرير المستمر.. ينشط إطلاق الدوبامين فى الدماغ؛ لذا.. فعلى الرغم من أنه غالباً ما يؤدي إلى مشاعر سلبية مثل الاكتئاب والقلق، فإن التمرير المستمر يوفر أيضاً مشاعر إيجابية مرتبطة بالدوبامين. ويمكن أن يؤثر أيضاً على صحتك العاطفية، مما يساهم في الخوف والحزن والأفكار السلبية المفرطة. يمكن أن يؤدى التعرض للمعلومات السلبية، وخاصة التعرض المتكرر أو المستمر – كما هو الحال مع Doomscrolling – إلى استجابات توتر من الجهاز العصبي الودي؛ كقراءة مقال سلبي، والشعور بالخوف، والبحث عن مزيد من المعلومات حول الموضوع، ثم تجربة زيادة معدل ضربات القلب.. أثناء القراءة أو الاستماع إلى أو مشاهدة المزيد من المحتوى السلبي. عندما تستمر استجابة التوتر هذه لفترة طويلة جداً، فقد تؤدي إلى توتر مزمن واكتئاب ومشاكل جسدية». 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

الوسم:
شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.