عبدالله عبدالسلام..
مع انتشار الحرائق غير المسبوقة.. في منطقة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وجَّه أحد المليونيرات نداء استغاثة.. عبر وسائل التواصل: «هل يستطيع أي شخص الوصول إلى رجال مطافئ قطاع خاص لحماية منزلنا؟، سوف أدفع أي مبلغ». تلقى المنشور سيلاً من التعليقات الشامتة؛ لدرجة أن البعض تمنى أن يحترق منزل المليونير. قال آخرون.. إن أموال الأغنياء لم تُبعدهم عن الخطر. وتابعوا: «في وقت يفر فيه الناس للنجاة بحياتهم، يأتي هذا الثري.. ويتحدث عن إنقاذ منزله». أشعلت الحرائق حرباً بين الناس العاديين والمشاهير.. مع أن الكل في الهم سواء.
حتى عندما أبدى فنانون ومشاهير تعاطفاً مع الفقراء.. الذين دمرت الحرائق حياتهم، رد مستخدمو السوشيال ميديا قائلين: «لوس أنجلوس بها أعلى نسبة مشردين في أمريكا. نجوم هوليوود يتعاطفون الآن.. لأن بيوتهم الفخمة احترقت مثل الآخرين. أين كانوا من قبل، ولماذا لم يفكروا في هؤلاء المشردين؟». الشماتة ظاهرة بشرية شائعة، لا تقتصر على شعب أو فئة معينة. إنها للأسف، تشمل أشخاصاً عبر العالم، لا يجمعهم سوى الفرح في مصائب الآخرين.. المختلفين دينياً، أو عرقياً، أو اقتصادياً، أو اجتماعياً. في مصر والعالم العربي، امتلأت السوشيال ميديا ببوستات وتغريدات.. تشمت في أمريكا، وتفرح لما جرى.. «ربنا المنتقم. ما يحدث عقاب على دعم أمريكا لإبادة الفلسطينيين. اللهم لا شماتة». يقول الفيلسوف الألماني شوبنهور: «أن تشعر بالحسد.. طبيعة إنسانية. أن تستمتع بالشماتة.. أمر شيطاني»، إلا أن هذا حال العالم.. حتى لا نجلد أنفسنا، ونعتقد أننا استثناء في الشماتة والفرح لمصائب الآخرين.
لكن بينما كانت الشماتة بين صفوف بعض الأمريكيين.. جزءاً من رد الفعل على ما حدث، كانت عندنا تقريباً هي كل رد فعلنا. حصرنا الأمر في الانتقام الإلهي.. من دولة تساند العدوان الهمجي الإسرائيلي على الفلسطينيين. لم نفرق.. حتى بين من انتهت حياتهم واحترقت منازلهم من الفقراء، وبين الحكومة الأمريكية. العقلية الاختزالية سادت. أمريكا في نظر كثيرين منا.. هي بايدن وترامب فقط. لم نتابع – أو نعلق – على حملات جمع التبرعات للمنكوبين الفقراء.. التي يقودها مشاهير شعروا بوخز الضمير؛ لأنهم – في البداية – اهتموا بمصائبهم فقط. النقاش حول أسباب الحرائق، وكيفية المواجهة، وعلاقة ذلك بالتغير الحراري.. كان حاضراً بفاعلية. بعض الإعلاميين المصريين قال بسخرية: «أمريكا – بجلالة قدرها – لا تستطيع السيطرة على الحرائق».
الحقيقة أنه لا يوجد نظام إطفاء في العالم، يمكنه التعامل مع هذه الحرائق.. التي أشعلت النيران في مساحة تتجاوز 1.6 مليون فدان. مئات الحرائق اندلعت في وقت متزامن. حريق واحد في منطقة تُدعى باليساديس، انتشر في مساحة أكبر من مدينة بيروت. ألسنة النيران – التي تحركها الرياح العاتية الجافة – أجبرت مئات آلاف السكان على الفرار، وترك منازلهم المحترقة. احتواء حرائق كاليفورنيا فور وقوعها.. يقترب من الصفر، تماماً كما أن احتواء حزن الناجين المتضررين، والمصابين باضطرابات ما بعد الصدمة.. يقترب أيضاً من الصفر.
ومع ذلك، أظهرت الدراسات أن العامل البشري في إشعال الحرائق.. هو المسؤول عن 84٪ من حرائق الغابات، و97٪ من حرائق المنازل بأمريكا. دراسة أمريكية – اعتمدت على بيانات حرائق ضربت كاليفورنيا من 2012 وحتى 2018 – كشفت أن الممارسات البشرية اليومية؛ كالتخلص من السجائر بشكل غير صحيح، وإشعال خطوط الكهرباء وغيرها.. أخطر من ضربات البرق، والعواصف الرعدية.. التي تكون موسمية فقط.
الكاتب الكندي جون فيلانت – المتخصص في البيئة – يقول: «البشر بنوا عالمهم من النار. أصبحت النار جزءاً لا يتجزأ من أنشطتنا اليومية. قوتها الخارقة، التي تكون غالباً غير مرئية، وقودنا في الحياة. نطهو الطعام بالغاز، وندفئ منازلنا بها أيضاً. شبكات الكهرباء تعتمد على الوقود. الطاقة – مثل الفحم والبترول والغاز – تعتمد في استخراجها.. على النار، وتنتجها أيضاً. كل تلك التدخلات البشرية في الطبيعة – التي قامت عليها حضارة الإنسان – زادت من درجات حرارة الأرض وغيرت المناخ». الأمطار لم تهطل على منطقة لوس أنجلوس منذ 8 شهور. الصيف الماضي كان الأكثر سخونة. ومع ذلك، هناك من يشكك في مسألة التغير المناخي ويعتبرها أكذوبة.. وفي مقدمتهم ترامب.
حرائق كاليفورنيا الرهيبة، ليست غضباً ربانياً على أمريكا، وإلا فإن الزلازل التي ضربت تركيا وإيران وأفغانستان وباكستان، وأوقعت عشرات آلاف القتلى.. غالبيتهم الكبرى من الفقراء، غضب رباني أيضاً. إنها نتيجة التدخل البشري في الطبيعة، ومحاولات تغيير قوانينها. السنوات المقبلة ستشهد – للأسف – كوارث أكبر وأكثر هولاً.
الشماتة ليست الحل. المشاركة الفعلية في جهود إنقاذ الأرض.. أجدى وأنفع.
نقلاً عن «المصري اليوم»
حرائق أمريكا.. الإنسان حيوان شامت!

شارك هذه المقالة
اترك تعليق