سمير مرقص
(1)
العهد الثاني من الزمن الترامبي
كثيرون لا يعرفون أن ترامب قد شغله حلم رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية الثمانينيات. ففي سبتمبر سنة 1987 – وكان يبلغ من العمر 41 عاما – نشرت إحدى الجهات التجارية صفحة إعلانية.. لتأييد ترشح ترامب لمقعد الرئاسة الأمريكية، التي كانت انتخاباتها سوف تجرى في العام التالي. بيد أن هذا الإعلان قد ووجه بهجوم لاذع من قبل.. أولا: الدولة العميقة عبر تجليات متنوعة، وثانيا: جماعات المصالح الاحتكارية الكبرى، وثالثا: القوى والقيادات السياسية التقليدية. وكان السبب في الإجهاض المبكر للحلم الذي راود ترامب لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية – قبل أن يصبح حقيقة بعد ما يقرب من ثلاثين سنة – إلا أنه قد قال – من ضمن ما قال – كلاما غير مسؤول، طال الكثير من رجال السياسة والدولة المعتبرين. نقتطف بعضا منه كما يلي: «… الولايات المتحدة تستنفد نفسها لتحمي حلفاء أصبحوا أثرياء.. نتيجة إعفائهم أنفسهم من التوظيف فى الدفاع، ولأن واشنطن هي المغفل المخدوع في نظام عالمي لا يفيد إلا الآخرين»..
الأهم.. أنه أعلن بوضوح، خطأ استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في عضوية المؤسسات الدولية، حيث أبدى بوضوح ضرورة «مقاطعة هذه الهندسة أو هذا البناء».. وهو الأمر الذي دفع الدوائر المالية والسياسية والحكومية والإعلامية.. إلى انتقاده انتقادا لاذعا آنذاك. ما دفع ترامب إلى إلغاء فكرة ترشحه، أو بالأحرى تأجيلها إلى سنة 2015؛ حيث فاز بما يمكن أن نطلق عليه الآن «العهد الأول من الزمن الترامبي». (وبعد أن فاز بعهد ثان (قبل أسبوعين تقريبا) يبدأ رسميا فى 20 يناير 2025، «العهد الثاني من الزمن الترامبي»).
هذه الواقعة تفصيلا وغيرها أوردناها فى دراسة لنا بعنوان: «الزمن الترامبى» Trump Age The؛ كتبناها فى 2020، سنضمنها في الطبعة المزيدة والمنقحة من كتابنا: الإمبراطورية الأمريكية: ثلاثية الثروة والدين والقوة.. من التوسع والتفرد إلى اختلال التموضع والتعدد.
(2)
الترامبوكاليبس The Trumpocalypse
يعكس الأداء الترامبي – إبان عهده الأول – أنه لم يحد عما طرحه من أفكار في إعلان الثمانينيات من القرن الماضي؛ خاصة فيما يتعلق بـ«العزلة الأمريكية». إذ بلغت لديه الفكرة مستوى العقيدة التي لا مناص منها. ما اعتبره المراقبون والباحثون يتناقض مع الخيار الأمريكي الجيوبوليتيكي الكلاسيكي الذي يرى العالم امتدادا أمريكيا.. بالمشاركة مع الاتحاد الأوروبي الموسع. وقد وصفت دراسة موقف ترامب بأن: «عدم الحيدة عن القناعات في عالم السياسة ليس ميزة». فإصرار المرء على تحيزاته وقناعاته بمعزل عن التاريخ، ومستجدات الحاضر، وما يمكن أن يطرأ فى المستقبل من متغيرات.. هو نوع من «التوجه الغريزي»؛ بحسب «جيل باريس» – مراسل صحيفة لوموند الفرنسية في واشنطن – الذي يعكس شخصية رجل لا يرى إلا نفسه، ومشروعه. ما يؤدي إلى إخفاقات داخل أمريكا وخارجها.
وذهب البعض إلى ما هو أكثر من الإخفاق. إذ قدر الكاتب الصحفى – بدورية «أتلانتيك» – «دافيد فروم» صاحب ثنائية: أولا: «ترامبو كراسى (حكم ترامب): فساد الجمهورية الأمريكية ــ 2018»، وثانيا: «ترامبوكاليبس ــ 2020». وفى الكتاب الثانى يصف العهد الأول لترامب بالـ «ترامبوكاليبس»، بمعنى.. كيف أن ترامب قد مارس الرئاسة الأمريكية كما لو كان مديرا لشركة، كما ورد في كتابه الأول. ما سيؤدى إلى نهاية كارثية كما خلص في كتابه الثاني. (نشير هنا إلى أن «أبوكاليبس» كلمة يونانية تعني حرفيا «رفع الغطاء»، أو كشف المحجوب والمستور.. خاصة فيما يتعلق بمستقبل العالم أو ما سيؤول إليه العالم. وبمرور الوقت أصبح المعنى المتداول لكلمة «أبوكاليبس» يدل على نهاية العالم).
(3)
هل تعلَّم ترامب الدرس؟
يشغل هذا السؤال المحللون والمراقبون.. منذ أن أُعلن فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية. وذلك بسبب إخفاقات العهد الأول من الزمن الترامبي.. التي نجملها كما يلي:
أولا: السياسات الخاصة بالنفط والغاز، والخروج على القواعد المتعارف عليها فى هذا المجال.
ثانيا: السياسات الصحية، وتبين عدم قدرتها مواكبة الجائحة. ما كشف عجز المنظومة الصحية الأمريكية عن الوفاء بالتزاماتها. خاصة أن هذا الانكشاف الصحي قد تزامن مع محاولة ترامب إفساد نظام الرعاية الصحية، الذي أقره الكونجرس زمن أوباما. ما أدى إلى فقدان الملايين للتغطية الصحية فى وقت الأزمة.
ثالثا: إهمال إدراج أي سياسات تتعلق بالبنية التحتية.. المتراجعة في كثير من المناطق ــ خاصة الفقيرة ــ التي تحتاج إلى أكثر من 5 تريليونات دولار تقريبا.. لمدة خمس سنوات.
رابعا: فشله في حماية الاقتصاد الأمريكي والعمالة الأمريكية.. كما وعد.
خامسا: التحلل من الالتزامات الأمريكية حيال المشاكل الدولية. وحجب أي دعم عن المؤسسات الدولية.
سادسا: تجديد الاستعلاء الأبيض في المجتمع الأمريكي، واضطراره الاعتذار عن ذلك.
لذا، تمحورت المقالات والتعليقات – التي تدفقت بغزارة فى دوريات أمريكا وخارجها، والأروقة البحثية والسياسية – عقب فوزه.. في محاولات للإجابة على تساؤلات حول ملامح العهد الثاني من الزمن الترامبى. ونستعرض أهمها فى المقال القادم.
نقلاً عن «المصري اليوم»