Times of Egypt

العقول المتنافسة.. العقل البشري والاصطناعي التوليدي 

Mohamed Bosila
نبيل عبدالفتاح

نبيل عبدالفتاح 

نعيش عصراً مختلفاً.. يبدو – في بعض وجوهه – حاملاً خيالاً جامحاً، وبعضاً من الغرابة، وعدم القدرة على متابعة تحولاته التقنية والعلمية المتلاحقة، ويطرح أسئلة مختلفة للشرط الإنساني الوجودي، ومسألة المعنى على الفرد والمجتمع والدولة، والنظام السياسي والعلماء.. في العلوم الاجتماعية والطبيعية والتكنولوجيا!  

تنفجر أسئلة جد مختلفة، وتتناسل من بعضها، وتثير لدى بعض الفلاسفة والمفكرين إشكاليات.. حول إمكانية فهم ووصف وتحليل التطورات التقنية والعلمية المتلاحقة.. في عصر السرعة الفائقة. لم يعد أي متخصص – في علم من العلوم الاجتماعية والطبيعية والتقنية – قادراً بمفرده.. على تحليل ما يحدث، والذي يبدو، هو كأننا نعيش في عالم متخيل من السرود السينمائية الخيالية العلمية، أو حالة تبدو وكأنها افتراضية.. رغم أنها باتت أبرز ملامح عصرنا الفعلي والافتراضي معاً، في ظل تلاحق الثورة الرقمية وتحولاتها، ومعها العقل الرقمي.. الذي يتشكل من خلال نظام لغوي؛ مختلف عن الأنظمة اللغوية المتعددة والمتكاثرة في مجتمعاتنا، ونظمه الجيو- لغوية، والثقافية، وتعدد رؤى العالم، من خلال أنظمته اللغوية. باتت اللغة الرقمية عابرة ومتمددة، وتهيمن على كل اللغات عالمياً، وستغدو اللغة الرقمية هي لغة العالم في الأجل القريب والمتوسط. 

في ظل تسارع ابتكارات، وتغيرات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وعالم الروبوتات، والإناسة الروبوتية، بات الوجود والشرط الإنساني.. في مأزق غير مألوف في التاريخ الإنساني ومراحله المتعاقبة. كانت الآلة والتقنيات في عصر الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية، تطرح إشكالية علاقة الإنسان بالآلة، وتأثيرهما المتبادل، وانعكاساتها على العلاقات الاجتماعية، ومفهوم العمل، والاستغلال، وأنماط الحياة، والوعي الاجتماعي، والقيم والثقافة. كانت الأسئلة تجد بعض الاجابات الفلسفية والسوسيولوجية والقانونية، وكلها محمولة على إمكانيات السيطرة البشرية على الآلة، ونظمها، وابتكاراتها، وانعكاساتها، في ظل التنظيم القانوني، والسياسي، والاقتصادي للتكنولوجيا، وتأثيراتها الثقافية والاجتماعية. 

كان الابتكار التكنولوجي والعلمي أحد محركات المجتمعات والأفكار، وكان بعض من النظرة الأداتية مسيطراً في إدراك وفهم التكنولوجيا، إلا أنه مع الثورة الصناعية الثالثة، طُرحت أسئلة مختلفة حول مسألة السيطرة على التكنولوجيا، وإمكانيات استمرارية الأفكار الفلسفية والقانونية والاقتصادية السابقة، وبدأ طرح مسألة إمكانيات خروج بعضها عن إمكانيات السيطرة، خاصة مع بعض الاختراقات العلمية الاستثنائية، مع الاستنساخ الحيواني، وإمكانية تحوله إلى استنساخ بشري، وهو ما شكَّل صدمة أدت إلى حظر أبحاثه قانونياً، وبات كما ترشح من بعض المصادر يتم سراً إجراء بحوثه في بعض دول آسيا.  

الاستنساخ البشري.. تم تقييده قانونياً وأخلاقياً، وهي إجراءات كانت من مألوف التنظيم الإنساني للبحوث العلمية، إلا أن بعض التطورات العلمية الفائقة، كانت تحظر ذلك قانونياً وسياسياً وعلمياً ودينياً، ويتم كسر هذا الحظر، ويتم الإعلان عن الاكتشاف العلمي، ويسهم في تغيير الحياة الإنسانية، ويغدو جزءاً من تطور عالمنا. 

يمثل الذكاء الاصطناعي – وتغيراته المتلاحقة والروبوتات – نقلة تشكل قطيعة على جميع الصعد التقنية، والاجتماعية، والفلسفية، والثقافية، والسياسية، والقانونية، وعلى العقل الإنساني كله – باستثناءات محدودة للقلة القليلة من داخل هذا المجال التقني – ومن ثم يشكل العقل الرقمي فجوة مع العقل الحداثي، وما بعده، وما بعد بعدهما.. من حيث النظام اللغوي، ومفرداته، ومجازاته، وإبداعاته، وأيضاً من حيث العمليات العقلية ومخرجاتها. الأهم أن العقل الرقمي والذكاء الاصطناعي كليهما يتفاعلان مع بعضهما بعضاً، ويساهمان في تطور بعضهما.  

كلاهما يميل إلى الإيجاز المفرط، والبُعد عن الإسهاب والسيولة، وينزعان إلى الانضباط في المفردات، والتعبير فائق الإيجاز. الأخطر أن العقل الذكي التوليدي، يتقدم في تطوراته المتلاحقة والسريعة، وبدأ في إبداء ردود أفعاله، وإجاباته عن الأسئلة من مستخدميه.. التي تعتمد على نظام البيانات الضخمة (Big Data) وهو في مسار تنقية البيانات من المعلومات المغلوطة، والسرديات اللامنطقية والمتناقضة، والأكاذيب السوداء، وأيضاً في إبداء الرأي حول الأسئلة والسرديات التى يتعامل معها، ويبثها إلى طالبي السؤال عنها!  

في مرحلة مقبلة، وتبدو سريعة في الآفاق المنظورة، سيتشكل على نحو متنامٍ.. العقل الذكي الاصطناعي التوليدي، ويتجاوز العقل الإنساني والرقمي معاً، ويغدو عقلاً مستقلاً، ومن ثم يأخذ مسارات مختلفة عنهما معاً، وبعد ذلك تظهر انعكاساته وتفاعلاته وتجسيداته في العقل الروبوتي.. وردود أفعاله تجاه العقل، والفعل البشري، التي تظهر بوادرها في البحوث التي قامت بها بعض الشركات الرأسمالية الرقمية الكونية، وأدى إفشاء بعض مديريها البارزين لهذا الخبر/ السر، إلى فصله من الشركة. 

ما دلالة هذه البدايات للتحول في العقل الروبوتي، والعقل الذكي الاصطناعي التوليدي؟ 
دلالات بالغة الخطورة، والأهمية على عديد المستويات يمكن طرح بعضها فيما يلي: 

– تجاوز العقل الإنساني في عملياته وابتكاراته على مستوى التفكير، والأهم تحوُّل هذا الابتكار الخلاق إلى مخرجات وإنجازات على مستوى التقني والعلمي، ملامح هذا التغير ستبدأ في التلاحق والتجسد في الآفاق المحلقة في مجال الذكاء التوليدي والروبوتي. 

– بشائر العقل الروبوتي والذكي التوليدي بدأت في عديد المجالات، ومنها مفهوم العمل الإنساني.. المحمول على الذكاء البشري؛ في مجالات الطب البشري، التشخيص، والعمليات الجراحية، والأداء الدقيق الذي يتجاوز أداء كبار الأطباء، وإنجاز العمليات الجراحية في فترة زمنية وجيزة، لا تقارن بالمدد الزمنية لعمل كبار الجراحين ذائعي الصيت. 

– في مجال السينما، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في عديد مكونات العمل السينمائي، وفي تخليق تخييلات سينمائية، وإنجازها في الأفلام والإنتاج السينمائى.  

– في مجال العمل، دخل الروبوت في عديد من تفاصيل نظام العمل والإنتاج التقني والاستهلاكي والخدمي، ومعه العقل الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي. 

– في مجال الهندسة والبناء، باتت تخضع لعمل البرامج الهندسية والتخطيطية الذكية، ربما يتجاوز بعض التقاليد والنظريات والإنجازات الهندسية والمعمارية والتخطيط العمراني وفي المواصلات والاتصالات، وتجاوز بعض العقل الهندسي البشري الخلاق، والاستثناءات محدودة جداً.. جداً، ومع ذلك توظف غالب العقول الذكاء الرقمي والتوليدي. 

– في مجال البحوث العلمية، ثمة تعاظم لدور الروبوتات والذكاء التوليدي، وفي العلوم الاجتماعية باتت مصدراً للسرقات العلمية البشرية، من الباحثين الكسالى في دول عربية عديدة. ومن ناحية أخرى، هناك برامج للكشف عن هذه السرقات العلمية، في ظل تدافع محدودي المعرفة والذكاء للحصول على أوراق.. تفيد حصولهم على درجات علمية للوجاهة، والاستعراض الاجتماعي، في عصر لم يعد يأبه بمثل هذا النمط الأقل من الوجاهة الاجتماعية! وإنما بات يكرس العقل التافه الكسول. 

– في مجال الرواية والقصة والمسرحية والفنون، أثرت الثورة الرقمية، والذكاء الاصطناعي التوليدي على سوق الإنتاج الأدبي، وعلى الكتابة والخيال واللغة الأدبية، وتكاثرت عمليات استعارة الأفكار، والسطو على بعض الأعمال الأدبية العالمية، وإعادة أقلمتها في واقع اجتماعي وسياسي مغاير لها! 

– في مجال الفنون التشكيلية، بات الذكاء الاصطناعي التوليدي يبدع أعمالاً مهمة، بعضها فاز بجائزة أولى، وعند استلام الجائزة قال الفنان البارز الذي قدّم اللوحة للمسابقة، إن الذي يستحقها هو الذكاء الاصطناعي! 

في كل تفاصيل الحياة، دخل العقل الرقمي والذكاء التوليدي والروبوتات في تشكيلها، وسيتزايد حضورها الفاعل، ومعها أسئلتها المغايرة لمألوف العقل الحداثي وما بعده، وما بعد بعده، في سرعة فائقة. ظهور العقل الاصطناعي التوليدي بات يطرح تحديات مختلفة على عقل المؤسسات الدينية الرسمية وغيرها من الجماعات، وأيضاً على العقل الديني النقلي والتجديدي معاً! 

نقلاً عن «الأهرام» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *