Times of Egypt

الخداع اللفظي والاختلاق عند تيار الإسلام السياسي 

Mohamed Bosila
عادل نعمان  

عادل نعمان 

… ولست هنا مسترشداً بمبدأين معتبرين وموثقين؛ وهما «التقية»، و«المعاريض».. وكلاهما مندوحة للكذب – أي وسيلة شرعية للتهرب والمراوغة والتضليل الصريح، حتى لو أقسموا على صدقهما جهد أيمانهم، فهو صدق أوهن من بيوت العنكبوت لو كانوا يعلمون – وإن كان كل مبدأ منهما.. دليلاً قاطعاً على الاختلاق، وبرهاناً قوياً على الدجل والمراوغة والمخادعة، ورخصة.. منحها هؤلاء لأنفسهم، وخاصية زعموا أن الله خصهم بها.. مبرراً لانتهاج المبدأ الميكافيلي «الغاية تبرر الوسيلة». وميكيافيللي مفكر وفيلسوف إيطالي، يرى أن صاحب الهدف.. في استطاعته أن يستخدم الوسيلة – شريفة كانت أو باطلة – للوصول.. إلى المراد والمبتغى؛ فتسابقت الديكتاتورية والفاشية الدينية في بلوغ الهدف، فخدعونا جميعاً؛ فلا نزل الديكتاتور عن مطيته، ولا صدق هذا التيار الفهم، ولا بلغ الحديث.. «ليتها لم تزن ولم تتصدق» مآربه، ولا وصل إليه أن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، فإن الطريق إلى الله على منهج الله.. وليس على المنهح الميكافيللي. 

ولا يفوتنا – في هذه المناسبة – أن نتذكر كيف هرول الشعب.. خلف خدعة المضاربة الإسلامية، وأكذوبة الاستثمار الإسلامي «شركات توظيف الأموال».. في نهايات القرن الماضي، وكيف روج لها هذا التيار.. تحت عنوان محاربة البنوك الربوية، وكان هذا الخداع اللفظي.. أهم ما لعب عليه تيار الإسلام السياسي، وأغوى الشعب؛ حين تبوأ الكثير من مشايخ هذا الزمان.. منصب المستشار الديني لهذه الشركات، ولم يكن يعرف أحد منهم كيف تدار هذه الشركات، وهل تحقق ربحاً أم خسارة؟!  

وقد كان استغواء هؤلاء بنجاح هذه الشركات.. مؤكداً وموثقاً.. طالما يحمل علامة دينية؛ ظناً منهم أن بركة ملائكية ستحل على الجميع.. حتى لو كانت الإدارة فاشلة وغبية!!  

وتعرَّض المصريون لأزمة وكارثة، فقد فيها الملايين مدخراتهم، وخربت بيوت، ومات مَن مات حسرة على ماله ومستقبله، ولو كنت مسؤولاً.. لحمّلت هذا التيار، وهؤلاء المشايخ.. المسؤولية كاملة على هذه الاختلاق، الذي جر الشعب خلفهم باسم الدين، أو حتى رد مرتبات وعمولات و«كشوف البركة»، التي تقاضاها هؤلاء المشايخ. فإن إدارة الأموال لا تدار بالدروشة والدعاء، بل بالعلم والعمل. 

ولم تكن الأفراح والليالي الملاح – التي نصبها هذا التيار في انهيار برج التجارة العالمي «أحداث سبتمبر» – إلا تأكيدًا على أن هذا التيار.. قد أدمن الافتئات.. والتلفيق علينا وعلى نفسه، فسار يهتف للمخادعين وينتصر لهم، بل ويبحث في دفاتر الأجداد.. عمّا يبيح الانتقام؛ حتى تصوروا أن انهيار برج التجارة العالمي.. هو ارتقاء بالإسلام إلى عليين، ونصر عظيم على الكفر والكافرين، وصعود دولة الدين. ويكفي أن يكون الغلاف دينياً – مرصوصاً بقوالب من التوكل، والكثير من الخداع – حتى يزول نعيم هؤلاء الكافرين، وتحط علينا الملائكة بأطباق من ثمار الجنة.. كما تمنى اليهود على الله. إلا أن هذه المغامرة – مهما أحاطها هؤلاء بغلاف البطولة والجهاد – لم تُسقط أمريكا كما اشتاقوا، بل سقطنا نحن في بئر الفوضى، وتحت العلامة التجارية الأمريكية.  

ولا يفوتني هنا، أن أذكركم أن هذا الخداع اللفظي، وهذا الاختلاق.. كان صناعة أمريكية، سحبتنا خلفها وجرتنا جرا إلى هذا المصير، وأكلنا الطعم.. كما أكلناه من قبل على أيدي رجال الدين في كارثة الاقتصاد الإسلامي. 

ولا يفوتنا هذا الافتئات على الحقيقة.. في حرب غزة الأخيرة، ولم يتعلم هذا التيار الدرس أيضاً، وتصور أن النصر حليف الحق، وأن الغلبة للمظلوم.. إذا أحسن الناس وأجادوا الدعاء على الظالم، وأن تغيير الحاضر.. مرهون بنماذج الماضي وتصنيفاته وشعاراته، وأن تغليف الحجة أو الواسطة أو الذريعة.. بغلاف ديني.. كفيل بحشد الملايين، وجرهم جرا إلى التلاقي؛ وهو إفك عظيم وضلال مبين، فلا النصر حليف الحق.. بل القوة، ولا الغلبة بالدعاء.. بل بالعمل والتخطيط، وأن تغيير الحاضر.. يلزمه دراسة التجارب الإنسانية، وسياسات الاستقطاب والتحييد والاستحواذ، وأن تغليف الحجة بغلاف ديني.. يجيش ويحشد أطرافاً أخرى إلى حلبة الصراع؛ إن لم تقاتل مع العدو، فإنها تعينه وتناصره.  

وهذا ما حدث في حرب غزة.. تضليل وتزييف للواقع، واختلاق مواقف بطولية، وصمود بطعم المر، وفقد الغزاوية غزة – وطناً وبيتاً وحضناً دافئاً ولقمة تُشبع أطفالهم – والآن يبحثون عن العودة إلى ما قبل طوفان الأقصى، «وكأنك يا ابو زيد ما غزيت، ولا رحت ولا جيت». وما زال تيار الإسلام السياسي يخدع الشعوب بالألفاظ والإشارات الدينية، ويختلق من الأوهام ما يشفي به صدور المؤمنين. 

أيها الأعزاء.. هذا تيار يحتاج إلى ضبط مصطلحاته، لتتفق مع العصر ومقتضياته، ويعيش الواقع الذي نحيا، ويتوافق مع التعريفات الإنسانية والقانونية والعلمية، ويتصالح مع نفسه ومع العالم، ويبني علاقاته على تبادل المصالح والمنافع، ويحيا في أمان وسلام دون استعداء، ويدافع عن حقوقه وأراضيه وحدوده.. لآخر رمق في شعبه «فقط».. دون شعارات دينية. 

«الدولة المدنية هي الحل». 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *