أمينة خيري
في المقال السابق من سلسلة «إعادة اختراع العجلة»، تطرقت إلى «التاكسيات» في بريطانيا، وكيف أن الرقابة الحكومية هي منهج عمل المنظومة، وكيف أن القانون – ولا شيء سواه – يحمي كلاً من الراكب والسائق، ويخضع الجميع لإمرته لدى نشوب مشكلة، ولا يُترَك للناس حل خلافاتهم حول العداد أو الأجرة أو التعديات، كل بحسب عضلاته، أو علاقاته، أو تمسكه بمبدأ «عفا الله عما سلف».
التاكسي خدمة عامة، ويحق للجميع الحصول عليها كاملة متكاملة في مقابل سداد الأجرة. ولا يجوز إدخال عوامل مثل فقر السائق، أو غلاء البنزين، أو ولادة السائق لمولود دخل الحضانة، أو طلب الراكب التوجه إلى منطقة لا يحبها السائق أو ليست على هواه، عوامل محددة للعلاقة بينه وبين الراكب. وحدها القواعد تحدد هذه العلاقة، فمنظومة النقل حق وخدمة لا يحكمهما سوى القانون.
وكذلك الحال في الحق في التعليم المدرسي. وهو ليس حقاً فقط، بل واجب تُلزم به بريطانيا الأهل أو الوصي. ينص القانون على أنه يجب التحاق جميع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاماً بالتعليم الابتدائي. التعليم الابتدائي إلزامي ومجاني. ويجب على جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 11 و16 عاماً الالتحاق بالتعليم الثانوي أو التدريب. التعليم الثانوي إلزامي ومجاني.
وللعلم والإحاطة، وعلى الرغم من تسلل منظومة «الدروس الخصوصية» إلى التعليم في بريطانيا، إلا أن هذا لم يؤثر سلباً على أداء المعلم.. داخل الفصل في المدرسة الحكومية. بمعنى آخر، لا يُسمح للمدرس بالتقاعس عن الشرح في الفصل حتى.. يوفر جهده في التجوال المسائي على مراكز الدروس الخصوصية، أو من منطلق أن أداءه المنتقص في الفصل.. «على أد فلوسهم»، وذلك على الرغم من شكاوى مريرة ومشكلات كبيرة تتعلق برواتب المعلمين المتدنية، وصعوبة جذب المعلمين المؤهلين للتوظف، والإبقاء عليهم في المنظومة، مع شكاوى متصاعدة من أعباء العمل، لا سيما الإدارية، وشح تخصصات.. مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة واللغات.
من جهة أخرى، لا يجوز أن يتم توظيف معلم.. دون ترخيص وتدريب ورقابة ومتابعة وتحديث للمهارات والقدرات، وإخضاعه لتقييم دوري.
ونزيدكم من الشعر بيتاً، حيث لا يُحرم طفل من التعليم الحكومي المجاني بالكامل.. لأن أهله مهاجرون غير شرعيين. هذه نقرة وتلك أخرى. حتى أولئك الحاصلون على وضعية هجرة.. مع شرط «عدم استخدام الأموال أو الخدمات العامة»، يُستثنى التعليم المدرسي للصغار منها.
كثيرون في بريطانيا ينتقدون ما يرونه.. عدم ملاءمة المناهج لسوق العمل، وإعداد الصغار للحياة الحديثة، وعدم حصول الطلاب على التدريب المهني الكافي، والمساواة في تمكين الطلاب والمعلمين في كل المناطق.. من الأدوات التقنية والرقمية، وغيرها من المشكلات، لكن يبقى التعليم الحكومي المجاني حق لكل الصغار، وواجب على كل من الدولة والأهل. ويبقى هناك تعليم في الفصل، وحضور وغياب، وقدر – ولو أدنى – من ضمان وصول التعليم الأساسي للجميع، بدون مقابل.
نقلاً عن «المصري اليوم»