هبة جمال الدين
(كتب هذا المقال قبل إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية)
سألني البعض: لماذا لا تهتمين بمتابعة الانتخابات الأمريكية الدائرة؟ فكان ردي أنه لا فرق بين السفاح وجزار البشر، أي منهما أقل دموية؟!
فكلاهما عاشق للدماء. ولا ننسى أننا أمام دولة مؤسسات تبرر لنفسها كل الممكن واللا ممكن.. في سبيل تحقيق الغاية المنشودة.
كنت بالأمس أشاهد فيلم أوبنهيمر، وكيف برر للعلماء تحويل الفيزياء لقوة تدمير للعالم، وكيف رفض الساسة قراره.. بعدم استكمال الأبحاث في مجال السلاح النووي الفتاك، فتم تنحيته وتهمشه وتجريده من كل ما يملك من مناصب، بل والتشكيك في ولائه، فهذه هي دولة المؤسسات يا سادة يا كرام.. فلا فرق بين السفاح وجزار البشر.
ومن أوبنهيمر لكارثة أكثر خطورة، سيتحمل أوبنهيمر ذنبها ليوم الدين، فيتم الحديث الآن عن توجيه ضربة نووية محدودة موجهة ضد إيران؛ بلا ضمانات تكفل عدم التوسع بها ووصولها لحرب نووية شاملة تدمر الكوكب ككل، وتُنهي حياة البشر وتوصلنا لحلم المسيحية الصهيونية «هرمجدون». كما تُظهرها لنا منذ فترة بأفلام المتحولين والأبطال الخارقين، فكل الدمار في غزة وما قد يأـي بعد غزة وما نحن بصدده، يشبه مشاهد دمار العالم بأفلام النهاية، والتي تبشر بها السينما العالمية.
ما علاقة ذلك بالانتخابات الأمريكية، وما هي تفاصيل الضربة، ومن هو البادئ، وكيف ستحدث؟ تساؤلات كثيرة لابد من طرحها ونحن بصدد رئيس جديد، يختلف فقط في الخيارات والأدوات. ولكن السيناريو واحد.
قبل الإجابة، من المهم الإشارة لأصوات متطرفة تضعنا على شفا تلك الحرب، فلن أذكر الوزير المتطرف الصهيوني إليافو عميخاي الذي جعل استخدام النووي أحد خيارات إسرائيل في حربها ضد غزة، فهو متطرف ككل اليرقات المتطرفة في الكيان الصهيوني، التي تطل علينا من لحظة لأخرى، ولكن ما يعنيني تصريحات نواب جمهوريين من شيوخ السياسة بالكونجرس الأمريكي كالنائب السناتور ليندسي جراهام (ساوث كارولينا) والنائب الأمريكي تيم والبيرج (ميشيغان)؛ فكلاهما وصف حرب غزة بهيروشيما وناجازاكي، وطالبا باستخدام السلاح النووي للتعجيل بالنتيجة ونصرة إسرائيل. فتلك الأصوات المتطرفة ليست بمعزل عما يدور بدوائر صنع القرار ومراكز الفكر الأمريكية.
فقد عقد مركز تعليم سياسة منع النووي في أرلينجتون بولاية فرجينيا لعبة حربية WAR GAME صُممت في الأصل قبل ما يقرب من عامين، بدأت اجتماعاتها التحضيرية عام 2023 ترتكز على إمكانية حدوث الضربات العسكرية بين إسرائيل وإيران ـ بما في ذلك الضربات النووية – وتنبع أهمية تلك اللعبة من خلفيات المشاركين، حيث شملت مشاركين يحملون الطابع الرسمي للدولة؛ بلغ عددهم 35، تتنوع خلفياتهم ما بين موظفين جمهوريين وديمقراطيين في الكونجرس، ومسؤولين ومحللين من السلطة التنفيذية الأمريكية؛ وعلماء أكاديميين بارزين، وخبراء في الأمن القومي ومراكز الفكر في الشرق الأوسط، وأفراد من الجيش الأمريكي.
مما يعكس أهمية تلك اللعبة التي تدور سرديتها بالمنطقة وتقر بتوجيه ضربة نووية محدودة ضد إيران – عام 2027 – من جانب إسرائيل التي ستغير من عقيدتها النووية لتفصح عن قدرتها النووية وتبدأ بالهجوم وليس الدفاع.
ويلاحظ أن اختيار عام 2027 نظراً لأن محور المقاومة – رغم سياسات الاغتيالات والتصفية – مازال قوياً ويكبد إسرائيل خسائر جمة، ولكن يخطط أن بعد مرور ثلاثة أعوام من الحرب الإقليمية الممتدة ستكون الحصيلة خلخلة قوى محور المقاومة. ولكن هنا السؤال: هل بقدوم الرئيس الأمريكي ترامب للبيت الأبيض، وتوقعات إجهاض القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات تحت مزاعم دولة شكلية ناقصة السيادة، هل ستنتهي الحرب أم ستفتح جبهات جديدة بهدف التغير الإقليمي؟
يتضمن سيناريو اللعبة تقارير استخباراتية ترد عام 2027 لإسرائيل، تفيد بأن إيران تربط رؤوساً نووية بصواريخها بعيدة المدي، فتطالب إسرائيل الولايات المتحدة بالتعاون لضرب منشآت نووية إيرانية «أسلحة تقليدية»، ولكن ترفض أمريكا وتعطي إسرائيل صواريخ تفوق سرعة الصوت، وتستخدم إسرائيل الصواريخ لاستهداف مواقع نووية وصاروخية، ثم تبدأ أذرع إيران بالمنطقة بضرب إسرائيل، ويموت عدد كبير من الإسرائيليين لا يقل عن 1500، ثم تشن إسرائيل ضربة جوية ضد الميليشيات، ويستشهد 2000 عربي أو أكثر، فتضرب إيران منشآت نووية إسرائيلية ووزارة الدفاع، ويموت المزيد من الإسرائيليين، ثم تنسحب إيران من معاهدة منع الانتشار النووي.
ومع تقارير تفيد باستمرار تركيب ايران للرؤوس النووية على الصواريخ بعيدة المدى، تتوجه إسرائيل لأمريكا بالمعلومات لتوجيه ضربة مشتركة، إلا أن أمريكا ترفض، وإسرائيل تشعر بالعزلة، فيوافق مجلس الحرب الإسرائيلي على إجراء تفجير نووي تجريبي غير مميت فوق مواقع بعيدة بإيران، ثم تشن إسرائيل ضربة نووية دقيقة باستخدام 50 سلاحاً ضد 25 هدف عسكري بإيران، وفي النهاية تشن إيران هجوماً نووياً ضد قاعدة جوية إسرائيلية بها جنود أمريكان.
وقد تتحول الضربة لحرب نووية شاملة إذا طغت العقيدة الاستشهادية على الإيرانيين، ومع دخول كوريا الشمالية للحرب قد يقف العالم أمام حرب نووية شاملة.
مع هذا السناريو القاتم الذي يعتبره مركز «بيجن السادات» ضرورة لا غني عنها لبقاء إسرائيل، فهل سيكون انتخاب الرئيس الأمريكي الجديد – حال كونه ترامب – هل يمكن أن نشهد تلك الضربة التي لوَّح بها بعض الجمهوريين أتباع حزبه من أعضاء مجلس الشيةخ (السيناتورس) قبيل عام 2027 باعتباره رجل الاختيارات المتطرفة؟
أما إذا فازت كاميلا فهل سيستمر ذات السيناريو مع عام 2027 كما هو مخطط؟ خاصة أن السلاح النووي «السيزيوم 137» تم استخدامه من قبل من جانب أمريكا في الفلوجة، وإسرائيل في لبنلن عام 2006، وفي غزة عام 2014، وفقاً لتقارير صادرة عن مجلة نيتشر عام 2021،
ومع تلك السيناريوهات الأمريكية المرعبة نقف أمام عالم شديد البؤس تطيح به عقول شديدة التطرف مدفوعة نحو هوس القضاء على العالم وتدميره، وحظ المنطقة أن تكون محط تنفيذ تلك السيناريوهات المرعبة.
ولكن ما زال هذا السيناريو يمكن تغييره إذا توافرت الرغبة والإرادة بالاتجاه شرقاً لتحقيق رؤية الرئيس الصيني شي جين بينج بالتقارب السني-الشيعي برعاية صينية للتعاون في مجالات عدة، منها الطاقة النووية، فهل يمكن أن نتجه شرقاً دون التصعيد مع إيران؟
وبالنسبة لإسرائيل، فيجب طرح شروط مسبقة قبيل أي حديث بشأن السلام مع كيان إبادة، فهل يمكن لإسرائيل التوقيع على اتفاقية حظر الأسلحة النووية والالتزام بنزع السلاح النووي كي لا نشهد تطبيق هذا السيناريو المرعب؟ هل يمكن لهذا الكيان ترسيم حدوده؟ هل يمكنه إحداث تغير في خطابه المتطرف؟ هل يمكن تنظيف مقرراته الدراسية من الأفكار العنصرية والمتطرفة ضد العرب والمسلمين والأغيار؟ هل يمكن حل جماعات كهانا والأحزاب المتطرفة الحاكمة للكيان المتطرف؟ تلك الشروط هي أمر واجب طرحه واعتماده قبل دخول الرئيس الجديد للبيت الأبيض سواء كان السفاح أو جزار الإنس.
نقلاً عن «أخبار اليوم»