Times of Egypt

إعادة رسم الخرائط.. واختراع الدول

Mohamed Bosila
سمير مرقص 

سمير مرقص..


(1)
«جيوبوليتيك الحدود المتحركة والخرائط»
أعادت الحرب الروسية-الأوكرانية من جهة، وما يجري في إقليم الشرق الأوسط من جهة أخرى، الحديث مجدداً عن إعادة تحديد الحدود، ومن ثم رسم جديد للخرائط.. دونما النظر إلى الحقوق التاريخية لهذه الدولة أو تلك، أو إعمال أي اعتبار لأي مواثيق أو معاهدات، يكون قد تم الاتفاق عليها تاريخياً. وهو ما يترتب عليه حدوث الحالات التالية: أولاً: استقطاع مساحات جغرافية من دولة ما وضمها لحساب دولة أخرى، أو ثانياً: قيام إحدى الدول باحتلال جغرافيا سياسية معينة.. دفاعاً عن أمنها القومي الذي حددته تلك الدولة المحتلة بأنه يبدأ من داخل حدود الدولة التي تم احتلالها، أو ثالثاً: استغلال إحدى الدول جغرافيات سياسية لدول أخرى من أجل الدفاع عنها، أو استغلال ثرواتها ومواردها.. نظير تقديم خدمات متنوعة مثل دعم الأسرة/الطغمة الحاكمة، أو تنفيذ مصالح معينة خارج الحدود، أو استغلال معابر مائية أو أرضية أو جوية.
وتشير الباحثة الفرنسية – المتخصصة فيما يمكن أن نطلق عليه «سياسات الحدود» – «آن- لور أميلهات سزاي» (55 عاماً)، في كتابيها: الأول «الحدودية وسياسات الحدود المتحركة المعاصرة Borderities&the Politics of Contemporary Mobile Borders ـ 2015»، والثاني: «ثقافة الحدود Border Cultureــ 2023»؛ إلى «انتشار إعادة رسم الحدود في العالم المعاصر نظراً للاختراقات المتنوعة التي تتم للحدود»، ومن ثم تضعف صلابتها أو قدرتها الدفاعية عن نفسها، وعن ثرواتها وثقافتها، ومن يعيشون خلف الخطوط المُحددة للحدود. وبالأخير، يعاد رسم الخرائط في ضوء وقائع مادية تؤدي إلى واقع جديد قد يكون مناقضاً للتاريخ والثقافة وللقانون الدولي.
(2)
«السيادة والقومية»
تاريخياً، تم اختراع فكرة الحدود.. لتجسيد أمرين: الأول: السيادة الذاتية على جغرافيا سياسية معينة. والثاني: الذاتية القومية والثقافية لجماعة بعينها. وذلك مقابل سيادات وقوميات أخرى. وكانت الدولة – الاختراع- الوحدة السياسية.. التي تستوعب كلاً من السيادة والقومية. وعليه تشكلت منظومة الدول، وتم التوافق على احترام السيادة والقومية لكل دولة من الدول. وقد كانت الدولة – الاختراع- هي الحل السحري للحفاظ على توازن القوى للدول البازغة، ودرءاً لصراعات تاريخية.
جرى ما سبق، في أوروبا قبل منتصف القرن السابع عشر – وتحديداً مع معاهدة «وستفاليا» عام 1648- لإيقاف ما يُعرف في التاريخ بحرب الثلاثين سنة، حيث تآلفت إمارات وانضمت إقطاعيات في اختراع الدول/ الدول الأوروبية. بيد أن الدول الأوروبية البازغة- وبسبب ما يُعرف تاريخياً بأزمة الثروة الإقطاعية، التي تمثلت في زيادة التناقضات الداخلية لبنية النمط الإقطاعي التي تجلت في الكثير من المظاهر- انطلقت عبر موجات كشفية استعمارية، بحثاً عن الثروات والموارد في شتى أنحاء العالم.
في ضوء هذه الموجات، تمت السيطرة على مساحات شاسعة من الجغرافيات السياسية، بعضها يُصنَّف كدول مركزية عريقة، والبعض الآخر كان في طور ما قبل «اختراع» الدولة كوحدة سياسية. إلا أنه في الحالتين: حالة الحدود واضحة المعالم.. للدول المركزية، وحالة الحدود المفتوحة.. للجغرافيات السياسية ما قبل الدولة؛ كانت الحدود مستباحة من قبَل القوى الاستعمارية. ولعل اتفاق «سايكس-بيكو» الذي عقدته القوتان الاستعماريتان التاريخيتان: بريطانيا وفرنسا – بمباركة روسية، سنة 1916 – والذي قسَّم المنطقة بينهما، يعكس كيف كانت ثروات ومصائر ومقدرات المنطقة مستباحة.
وكما أشرنا قبلاً، ساهم الاتفاق.. وما تلاه من اتفاقات مشابهة، في زرع الكثير من الفخاخ والألغام ما يجعل المنطقة قابلة «للتقسيم-التقاسم» دوماً. إذ إن الاتفاق تضمن أدواراً ثلاثة يتم تفعيلها.. حسب مصلحة القوى الاستعمارية كما يلي: أولاً: هندسة الجغرافيات السياسية القائمة، وثانياً: اختراع جغرافيات سياسية جديدة، وثالثاً: تنشيط ما أطلقنا عليه «فيروس التفكيك». ما يترتب عليه الآتي: أولاً: الحيلولة دون تحقيق وحدة سياسية عابرة للحدود ذات توجهات مشتركة. ثانياً: تدويل المنطقة بحيث يمكن التحكم في إعادة تخطيطها حسبما تحتاج الاستراتيجيات الغربية، أو ما أطلقنا عليه في كتابنا الحماية والعقاب، عملية الإلحاق- التجزئة. ثالثاً: دعم تشكيل التحالفات الصغرى المؤقتة والمتغيرة بحسب الضرورة كبديل للوحدة السياسية الجامعة.
(3)
«هل تصدق أطروحة ترامب حول الخرائط الجديدة للمنطقة؟»
في هذا الإطار، تجدد القول-الفعل.. حول/لأجل الخرائط الجديدة، من قبَل القوى الدولية/الإقليمية، والدول المحورية: الثروية/ البشرية، والقوى اللانظامية/ المرتزقة. ولعل ما عبر عنه– بفجاجة- ترامب مؤخراً.. حول حاجة إسرائيل إلى جغرافيات سياسية، للإضافة على مساحتها الراهنة. كذلك ما يجري في السودان – بدعم من قوى دولية وإقليمية وميليشيات أهلية – وما يحدث في سوريا.. من إعادة ترسيم واستباحة، ودعم خارجي للإثنيات والمذهبيات المختلفة، يعيد الحديث مجدداً عن خرائط جديدة في المنطقة، وربما إعادة اختراع دول.
ونشير هنا إلى كتاب أستاذ العلوم السياسية الشهير «مارك لينش» (56 عاماً) الصادر حديثاً: ما هو الشرق الأوسط؟ What Is the Middle East؟، الذي يجدد فيه الحديث حول مصطلح الشرق الأوسط، وأنه محض سياسي، والهندسة الاستعمارية لتركيبته، سوف يظل مستهدفاً. خاصة أنه مع مطلع القرن الحادي والعشرين، أكدت التنقيبات الجيولوجية الميدانية والرقمية على أن إقليم الشرق الأوسط- يقيناً- يمتلك أكثر من 65٪ من احتياطي النفط في العالم، وما يزيد على نصف الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي. واكب هذه الحقيقة العلمية الدقيقة حول الثروة النفطية-الغازية، تحول في موازين القوى العالمية والإقليمية وفتح الإقليم لتنافسات إمبريالية جديدة وشديدة.. بين ثلاثة مستويات من القوى: الإقليمية، والمحورية، وظهرائها من القوى الدولية.
فهل تصمد الدول الراهنة.. المستباحة، أمام التنافس الإمبريالي؟ وتقاوم رسم الخرائط الجديدة؟ واختراع الدول المستجدة؟ أم تدخل في نفق التقسيم؟
نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *