Times of Egypt

أنا.. ومن بعدي الطوفان! 

Mohamed Bosila
مودي حكيم  

مودي حكيم 

أصبحت الأنانية جائحة.. أصابت المصريين، وفيروساً متكاثراً.. أطاح بكل خلايا طوائفهم، أقوى المجاهر.. تفشل في قراءة أفكارهم وتصرفاتهم. قد تصطدم أثناء تجوالك بطفل في الطريق، فيفاجئك بعبارة مؤلمة: «ما تفتَّح يا حاجّ».  

وإذا اضطررت لزيارة مصلحة حكومية، يقف الناس فيها طابوراً، ستجد من يخترقه.. ليصل للمقدمة رغم أنف الجميع، فتقف حائراً، هل هي فهلوة؟ أو ضرب من الأنانية؟  

كابوس وفوضى وعشوائية الشارع المصري، أنانية أصحاب المقاهي.. الذين احتلوا الطرقات. وإذا كنت مغامراً كنجم «الأكشن» أحمد السقا.. وحاولت تقليده، حاول أن تعبر الطريق – السيرك الكبير، بلا انضباط ولا سيطرة، يتسابق فيه بشراسة.. وحوش كاسرة من سائقي السيارات والحافلات والدراجات النارية، وحشرات التكاتك.. الطائرة على الأسفلت، والمنطلقة كالجرذان المذعورة – كل بطريقته – في تسيب نادر، لا ينافسنا فيه أحد.  

طرق يتحكم فيها أناس أعمتهم الأنانية، كائنات غريبة تتلذذ.. وتنظر بفخر، لتصرفاتهم الشريرة، وكأنهم حققوا انتصارات. 

الأنانية حوَّلت شوارع المحروسة – أنظف وأجمل مدن العالم – لتصبح أقذرها. صفوة المجتمع يلقون القمامة والفضلات.. من سياراتهم الفارهة. المهم بيتي يبقى نظيفاً.  

أنانية في كل شيء، حتى في الرياضة. كشف إيان راش – أسطورة ليفربول الإنجليزي وهدافه التاريخي عبر كل العصور – أنه يتحدث بشكل مستمر مع النجم المصري محمد صلاح.. الذي يراه تخلص من «أنانيته»، مشيراً إلى أن الأخير.. لا يفكر سوى بتحطيم أرقامه. وواصل: صلاح أصبح لاعباً جماعياً أكثر من ذي قبل، قبل عامين كان أنانياً بعض الشيء.. لكنه تغير، وأصبح يفكر بالفريق أكثر، ويقدم التمريرات الحاسمة.. أكثر مما يسجل حالياً. 

مأساة الإنسانية وشقاؤها.. «الأنانية»، والقول الفرنسي المنسوب إلى مدام دي بومبادور – عشيقة لويس الخامس عشر – «أنا ومن بعدي الطوفان».. تحوَّل إلى وصف لكل الأنانيين، الذين لا يرون سوى أنفسهم ومصالحهم الشخصية؛ حتى إن اقتضى ذلك أن يذهب بما عداهم إلى الجحيم، أو يأخذه الطوفان. 

الأنا، هي أول خطيئة عرفها العالم. وقع فيها الأناني، تريد ذاته أن ترتفع، فهُم.. أولاً وأخيراً. وهُم مركز الكون. وهم الذين يجب أن يمروا.. ولو على جماجم غيرهم. يريدون أن يستريحوا، ولو تعب الآخرون. يبني ذاته.. ولو على ضياع غيره؛ فيتمركز حول ذاته.. وكل ما يتعلق بها، بل وسيطرته عليهم، وعندما يصل إلى نقطة اليأس.. فلهم أن يهدموا الكون كله.. على رؤوس البشر. 

ظاهرة الأنانية.. التي تجسَّدت في قابيل، الذي قتل أخاه هابيل، لا لجرم جناه هابيل، غير أنه تُقُبِّل منه عمله «نذره»، فتفوَّق على قابيل، فدعت قابيل أنانيته.. إلى أن يقتل أخاه هابيل. أبشع صورة لمأساة الأنا، وعبادة الذات.. ترويها لنا الكتب السماوية؛ نموذجاً حياً للأنانية البشعة والحسد، التي تتحول إلى انتقام وعدوان. 

حرب الأنا.. ينبغي أن نعالج أسبابها منذ الطفولة. حينما يقول الطفل (أنا). ويود أن يملك كل شيء.. يمكن أن تمتد إليه يده، ويغار من أخيه أو أخته، ويود أن يخطف منهما.. ما يُعطَى لهما، بل أيضاً يغار من كل كلمة مديح تُوجَّه إليهما، ومن كل حب يناله أحد منهما، ظاناً أن المديح والحب كليهما من حقه وحده… لذلك ينبغي أن ندرب الطفل – من بداية سنيه – على الحب وعلى العطاء، ونعطيه ما يعطيه للغير، ونشجعه على العطاء. 

إن التنشئة الاجتماعية للفرد – في الأسرة والمدرسة والمجتمع – لها دور كبير في التأثير على فكره واتجاهاته ونظرته للمستقبل، وربما يتولد شعوره بالأنا – والتمحور حول ذاته، وتمجيدها – نتيجة عدة أسباب؛ منها التنشئة الأسرية، والمدرسة.. التي تساهم في اكتساب هذا الشعور، الذي يساعد الفرد على التمحور.. وعدم تقدير الآخرين، وعدم شعور الفرد بالأمن والطمأنينة في مجتمعه. إن السلوك الإيجابي، والممارسة الحسنة.. في ظل ضوابط الأخلاق، وحُسن التعامل مع الآخرين.. هو الذي يقود إلى القناعة والالتزام.  

أما في بيئة العمل، فالعلاج من خلال التشجيع على العمل الجماعي، وتقدير جهود الفريق ككل.. بدلاً من التركيز فقط على الإنجازات الفردية. ومن خلال الوعي، والجهد المستمر، وتعزيز القيم الإيجابية.. مثل العطاء والتعاطف، وإشاعة التعامل بقيم الإخاء والمحبة والمساواة والعدل، والتضامن لخلق عالم يسوده الانسجام والاحترام المتبادل، والأمن والسلام والاستقرار. 

ولابد أن يقف الإعلام – بوسائله السمعية والورقية والبصرية – إلى جانب الأسرة ومجتمع الأعمال، في مخاطبة الرأي العام، وإقناعه بضرورة التغيير، والعمل على تنمية حس المواطنة والانتماء، وتنمية الحس الوطني والقومي.. بنقل التراث الثقافي الإيجابي، الذي يساهم في تنمية عقل الفرد والمجتمع.. من جيل إلى آخر، وإفساح المجال واسعاً أمام مشاركة الجماهير بشكل مباشر.. في طرح قضية الأنانية، ومساءلة المسيئين – عبر حوارات جادة وعقلانية وشفافة وديمقراطية – دون تسييس إعلامي. 

نقلاً عن «المصري اليوم» 

شارك هذه المقالة
اترك تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *