الانتخابات الأمريكية مهمة بالتأكيد، ونتائجها مؤثرة على كل العالم، على الاقتصاد العالمي، وعلى المؤسسات الدولية، وعلى الحرب الأوكرانية، وعلى أسعار النفط والمواد الأساسية، وطبعاً على الشرق الأوسط.
طبيعي إذاً أن نتابع جميعاً مسارها وتقلباتها. ولكن الحقيقة أن هذه المرة كانت المتابعة في كل أنحاء العالم مذهلة، حتى أدق تفاصيل التصويت في ولايات ميتشيجان وويسكونسن وبنسلفانيا، كأنها محافظات محلية نعرفها ونفهم أدق خباياها ومشاعر مواطنيها.
هل لأن الإعلام صار أكثر قوة وانتشاراً وتأثيراً مما كان من قبل؟ هل لأن حدة هجوم «ترامب» بالذات على منافسته ولغته المرسلة والخارجة عن المألوف السياسي كانت باعثة على الفضول والمتابعة؟ هل لأن الإعلام والتواصل الاجتماعي استدرجانا إلى هذه المصيدة؟ أم لأن هذه الانتخابات بالذات أهم بالفعل من غيرها على مصائرنا جميعاً؟. أظن أن الرد السليم – كما هو الحال دائماً – خليط مما سبق.
كان كل ذلك.. قبل إعلان النتائج النهائية، وإن كان الواضح أن الفائز سيكون «ترامب»، وأن خسارة «هاريس» ستكون أكبر من كل التوقعات. والمحللون بدأوا بالفعل في تحليل أسباب هذا الفوز الكبير. والخلاصة أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية (1) الاقتناع بأن سياسات «ترامب» الاقتصادية سوف تكون أفضل، وسوف تحد من التضخم وتوفر فرص عمل. (2) الاقتناع بأن الهجرة لأمريكا – خاصة عبر الحدود مع المكسيك – تمثل أزمة خطيرة، ولا يمكن معالجتها إلا بتدخل قوي وحاسم. (3) الاقتناع أن «هاريس» ليست مؤهلة بالقدر الكافي للقيادة.
هذه هي الأسباب الظاهرة. ولكن بعض التحليلات الأكثر تعمقاً تضيف جانباً آخر، وهو يتعلق بطبيعة الناخبين. الذين توقعوا فوز «هاريس» (وقد كنت منهم حتى وقت قريب) أسسوا حساباتهم على أنها سوف تجتذب بالضرورة أصوات الملوَّنين، والشباب، والمثقفين، والأكاديميين، والإعلاميين، والمناصرين لحقوق المرأة، والمدافعين عن البيئة، والديمقراطيين غير المحافظين، وغيرهم، وكل مجموعة من هؤلاء تمثل قوة لا يستهان بها. ولكن الواضح أن من لم تكسبهم «هاريس» هم من يمكن وصفهم بـ«المواطن العادي»، وفي الانتخابات لا شيء يفوق أهمية الرجال والنساء الذين يمثلون الطبقة الوسطى الباحثة عن حلول واضحة ومباشرة للمشاكل البديهية والظاهرة. وكل من يتجاهل هذه الكتلة الوسطى لا بد أن يدفع الثمن.
يستوقفنى أيضاً أن هذه النتيجة تؤكد حقيقة أن الانتخابات في أي مكان فى العالم لا تحسمها شعبية المرشحين، بل تتوقف – في نهاية الأمر – على قدرة كل منهم على حشد أنصاره يوم التصويت، وإقناعهم بضرورة الخروج من منازلهم والوقوف في الطابور وانتظار الدور. والخلط بين الشعبية وبين القدرة على التنظيم والحشد خطأ يقع فيه كل السياسيين، خاصة حينما يصور الإعلام لهم أن شعبيتهم صارت جارفة. باختصار التنظيم أهم من الشعبية.
تابعت طبعاً بعض التحليلات التى تنبأت بأن الأصوات الأمريكية ذات الأصول العربية سوف «تعاقب» إدارة بايدن/ هاريس على موقفها المخزي من العدوان الاسرائيلي على غزة ثم لبنان، وأن هذه الأصوات سوف تتجه إلى «ترامب» أو سوف تقاطع الانتخابات. طبعاً الواضح أن الأصوات ذات الأصول العربية لم تكن بهذه القدرة على التأثير، وعلى أي حال فربما نالت الإدارة الحالية عقابها، ولكن ما رأيكم في أن المرشح الفائز هو الذي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتبنى مشروع «كوشنير» للمنطقة، ودفع بالسلام الإبراهيمي؟، ومتى ندرك أن هناك ثوابت في سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط.. لن تتغير كثيراً بتغيير الرئاسات، وأن التغيير الوحيد الحقيقي والمؤثر يجب أن يبدأ من داخل الوطن العربي.
عموماً.. انتهت الانتخابات، وظهرت نتائج ومؤشرات المجمع الانتخابي، وصار بمقدرونا أن نعود لمشاكلنا الأخرى البسيطة.. وأظنكم تعرفونها.
نقلاً عن «المصري اليوم»