أصدرت منظمة الصحة العالمية بيانًا يعكس واقعًا مؤلمًا للنظام الصحي في لبنان، الذي يواجه تحديات غير مسبوقة نتيجة النزاعات الأخيرة والأزمات المتراكمة. أكدت المنظمة أن آلاف المدنيين في لبنان بحاجة ماسة إلى جراحات ترميمية وإعادة تأهيل بدني، في حين تسعى المستشفيات جاهدة للعودة إلى العمل بكامل طاقتها.
دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 27 نوفمبر، ما أدى إلى تهدئة مؤقتة للملايين المحاصرين في النزاع. ومع ذلك، لا تزال الاحتياجات الصحية غير الملباة تمثل أزمة كبرى، حيث يعاني النظام الصحي اللبناني، المتأثر بالأزمة الاقتصادية والجمود السياسي وأزمة اللاجئين، من أعباء إضافية نتيجة النزاعات الأخيرة.
لبنان، الذي يستضيف 1.5 مليون لاجئ سوري، يتأثر بشكل مباشر بما يجري في سوريا، حيث يعبر المواطنون السوريون الحدود بحثًا عن الأمان. ووفقًا للبنك الدولي، تقلص الناتج المحلي الإجمالي التراكمي في لبنان بنسبة 38% منذ عام 2019، ما يزيد من تعقيد الوضع. وقد تضررت البنية التحتية الصحية بشكل كبير، مع إغلاق العديد من المستشفيات أو عملها بقدرة منخفضة بسبب القيود المالية ونقص الكوادر الطبية.
صرّح الدكتور عبد الناصر أبو بكر، ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان، أن النظام الصحي اللبناني أظهر شجاعة في مواجهة هذه الأزمات، لكنه أصبح أكثر ضعفًا مع استمرار التحديات. وأضاف أن الطريق إلى التعافي طويل ومعقد، ويتطلب دعمًا تقنيًا وماليًا مستدامًا لتجاوز هذه المرحلة الحرجة.
منذ اندلاع النزاع، قُتل أكثر من 4000 شخص وأصيب 17000 بجروح، مع اكتشاف المزيد من الضحايا تحت أنقاض المباني المدمرة. ونتيجة لهذه الكوارث، يعاني النظام الصحي من نقص حاد في الكوادر، حيث هاجر آلاف العاملين الصحيين، وتفاقمت المخاطر الصحية مع تدمير شبكات المياه والصرف الصحي.
تتطلب الإصابات المعقدة الناتجة عن النزاعات جراحات ترميمية متعددة وإعادة تأهيل طويلة المدى. وأوضح الدكتور أحمد الشيخ حسن، المسؤول التقني بمنظمة الصحة العالمية، أن الدمار في لبنان يشبه ما يحدث بعد الزلازل، مع إصابات تحتاج إلى تدخلات طبية متقدمة لمنع المضاعفات والإعاقات الدائمة.
في ظل وقف إطلاق النار المؤقت، تعمل منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع وزارة الصحة اللبنانية على تعزيز القدرات الصحية وتجديد الإمدادات الطبية. تشمل الجهود المستمرة تدريب الكوادر الصحية على التعامل مع الإصابات الجماعية، وبناء القدرات في مجال الصحة النفسية، وتقديم المعدات الطبية اللازمة.
كما قدمت المنظمة 5000 كيس دم لبنوك الدم، وأطلقت حملات توعية بمخاطر الذخائر غير المنفجرة، إلى جانب برامج الترصد للكشف عن فاشيات الأمراض التي قد تنجم عن أوضاع ما بعد النزاع.
ختامًا، أكد الدكتور عبد الناصر أبو بكر أن التعافي يتطلب تكاتف الجهود المحلية والدولية. وقال: “هدفنا مساعدة النظام الصحي اللبناني ليصبح أكثر استعدادًا للأزمات وقادرًا على الصمود أمامها”. وأضاف أن الحاجة إلى الدعم المالي والتقني أصبحت أشد من أي وقت مضى لضمان التعافي وإعادة بناء النظام الصحي على أسس أكثر قوة واستدامة.