Times of Egypt

فوز اشتراكي في عاصمة رأس المال العالمي

M.Adam

عمر إسماعيل

لم يكن فوز زهران ممداني في نيويورك.. مجرد واقعة انتخابية عابرة، بل زلزالًا سياسيًّا ناعمًا.. في قلب الإمبراطورية المالية للعالم.

ففي المدينة التي تُدار من ناطحات السحاب، حيث تُقاس القيم بالأسهم والعقارات، صعد إلى القمة شاب اشتراكي.. يؤمن بأن الإنسان أهم من السوق، وأن كرامة المواطن.. تسبق أرباح المستثمر.

إنها مفارقة تليق بعصر التحولات الكبرى؛ أن تنتصر أفكار العدالة الاجتماعية.. في عاصمة المال العالمي، وأن يتحدث عمدة نيويورك.. عن تجميد الإيجارات، والمواصلات المجانية، وتكاليف المعيشة.. في مدينة ترفع اسم «وول ستريت».. إلى مرتبة الدين المدني.

صوت من الشارع لا من القصور

فوز زهران ممداني.. ليس حدثًا بسيطًا، بل إشارة لتحول عميق.. في الوعي السياسي الأمريكي.

… إنه يمثل جيلًا جديدًا من السياسيين، أبناء الأقليات والمهاجرين، الذين لم يعودوا على هامش اللعبة.. بل في مركزها.

جيلٌ جاء من الشارع.. لا من القصور، يحمل هموم الناس.. لا أجندات النخب، ويخوض معركته بلغة صادقة.. قريبة من وجدان المواطن (الناخب) العادي.

في هذا المعنى، لم يفز ممداني وحده، بل فازت «أمريكا الأخرى»؛ أمريكا المنهكة بالديون، المحاصَرة بالإيجارات، الباحثة عن حكومة تراها – وجهًا لوجه – في المترو والمدرسة والمستشفى العام، لا من خلف زجاج ناطحة سحاب.

لحظة تعيد تعريف أمريكا

إنها لحظة تقول الكثير.. عن بلدٍ متناقض، لكنه لا يزال قادرًا.. على أن يُعيد تعريف نفسه.

فحين يصعد إلى قمة واحدة من أعقد مدن العالم.. شاب مسلم من أصل إفريقي آسيوي، يتحدث عن العدالة الاجتماعية.. لا كترف فكري، بل كضرورة حياتية، فذلك ليس مجرد انتصار انتخابي، بل انعكاس لتحولٍ في ميزان القوة.. داخل المجتمع الأمريكي نفسه.

لقد بدأ المهمشون في الكلام، وبدأت مراكز المال – للمرة  الأولى منذ زمن طويل – في الاستماع.

قد لا يغيّر زهران ممداني وجه نيويورك.. بين ليلة وضحاها. لكن ما فعله، يكفي ليؤكد أن السياسة الأمريكية.. دخلت مرحلة جديدة؛ مرحلة عودة السياسة إلى معناها الأول.. خدمة الشعب ، لا للاثرياء فقط.

لقد كسر ممداني الجدار الفاصل.. بين السلطة والشارع، بين القيم والقرارات، بين الحلم والواقع.

وفي هذا الكسر بالذات، يكمن جوهر التحول.. أن تجد الاشتراكية موطئ قدم.. في قلب الرأسمالية، وأن يتحول المهمش.. إلى صوت – انتخابي ومسموع – والصوت.. إلى سلطة.

ذلك هو الدرس الذي بدأ من نيويورك… وقد لا يتوقف عندها.

شارك هذه المقالة