Times of Egypt

الإخوان والسلطة والأمريكيون!

M.Adam
عبدالله السناوي 

عبدالله السناوي

لماذا أقدمت الآن إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» على تصنيف جماعة «الإخوان المسلمين».. إرهابية؟ ما أهدافها الحقيقية وتداعياتها المحتملة؟ 

هذان سؤالان جوهريان.. في أيَّة قراءة جادة لذلك الانقلاب التاريخي.. على إرث العلاقات بين الجانبين.

في خمسينيَّات وستينيَّات القرن الماضي جرى التعويل على الجماعة ضمن تحالفات إقليمية ودولية.. لإجهاض المشروع القومي العربي. كان ذلك نوعاً من التوظيف السياسي؛ بذريعة الانتقام من نظام «جمال عبدالناصر».

وفي حرب أفغانستان – التي امتدت لعشر سنوات – تبدَّت أخطر وأطول عملية توظيف سياسي باسم الدفاع عن الإسلام.. في مواجهة الشيوعية والإلحاد، لاصطياد الاتحاد السوفييتي. أفضت الحرب إلى نتيجتين كبيرتين؛ أولاهما: انفراد الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولي.. بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، ونهاية الحرب الباردة.. وثانيتهما: ظهور موجة عنف وإرهاب في دول بالمنطقة والعالم.. ممن أُطلق عليهم «العائدون من أفغانستان»، ونشأت تنظيمات إرهابية.. أخطرها «القاعدة».

تبنَّت بعد ذلك الإدارات الأمريكية المتعاقبة.. نهج «الاحتواء» والرهان على «الإسلام السياسي».. لإعادة هندسة المنطقة من جديد، قبل أن تذهب أخيراً إلى الصدام الخشن.. بإعلانها «إرهابية»، بما يقتضي مصادرة أموالها وملاحقة منتسبيها.. في ثلاث دول بالذات: مصر والأردن ولبنان. ولاية تكساس سبقت «ترامب» في هذه الخطوة، وفرنسا تتأهَّب لخطوة مماثلة.

لماذا اختيرت دول بالاسم، ودول أخرى استُبعدت.. رغم ارتباطها الوثيق بجماعة «الإخوان»؟ إنها البراجماتية السياسية، التي تفرضها المصالح المحققة.. لا المبادئ المدَّعاة.

كان دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» – المتهم دولياً بارتكاب جرائم حرب – على الخط.. بشكر «ترامب» على قراره، داعياً لاستنتاج منطقي.. أنه يقصد جماعات المقاومة الفلسطينية؛ خاصة «حماس»، التي ارتبطت في تأسيسها بـ«الإخوان المسلمين»، رغم تخليها (عام 2017) – في وثيقتها الرئيسية – عن أي ارتباط أيديولوجي أو تنظيمي بـ«الإخوان».

هناك فارق جوهري.. بين جماعة سياسية تورَّطت في أعمال عنف وإرهاب بالفعل – خاصة في مصر – وبين شرعية المقاومة الفلسطينية.. طلباً لحق تقرير المصير، وبناء دولة فلسطينية كاملة السيادة. 

… الخلط جريمة تاريخية متكاملة الأركان.

قضية السلطة.. اختلفت فيها الحسابات والرهانات. إثر احتلال بغداد (2003)، تبدَّت إشارات ورسائل معلنة.. عن دور أمريكي محتمل، في تزكية صعود الجماعة إلى السلطة. بدت الإشارة الأهم.. ما قالته «كونداليزا رايس» – وزيرة الخارجية الأمريكية  (عام 2005) من أن بلادها لا تمانع في وصول الإسلاميين إلى السلطة، تلتها دعوة من الاتحاد الأوروبي.. لحوار مع الجماعة.

اعتقدت بعض الأطراف القيادية في الجماعة.. أن للحوار ضروراته العملية، وأنه لا يصح أن تصدَّ نفسها عن دعوات للحوار.. من أطراف نافذة في النظام الدولي. كان ذلك رهاناً مبكراً على الجواد الأمريكي.. في الوصول إلى السلطة.

في نفس التوقيت، التأم حوار لافت في بيروت.. بين شخصيات بحثية مقرَّبة من الإدارة الأمريكية، وقياديين محسوبين على التيار الإسلامي.. من عدة دول عربية. تعذَّر التحاق «الإخوان» به، غير أن «الجماعة الإسلامية» في لبنان.. تولَّت بالنيابة تمثيلها.

في الوقت نفسه، لم يكن السفراء والدبلوماسيون الغربيون في القاهرة.. مرتاحين لإشارات تصدر من واشنطن وبروكسل.. عن حوارات جرت – أو قد تُجرى – بين الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبين «الإخوان».

كان تقدير الدكتور «هيو روبرتس» – مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية (ICG) – عند منتصف العقد الأول من القرن الجديد، أن موقف الدبلوماسيين الغربيين بالقاهرة.. مفهوم وطبيعي؛ نظرًا لما هو مطلوب منهم.. من أدوار في تحسين العلاقات بين الدول، والحفاظ عليها.. دون توترات قد تضر بمصالح استراتيجية.

سألته وقتها – وموقعه يُمكِّنه من الاقتراب من دوائر صنع القرار – هل هناك الآن قنوات حوار غير معلنة بين «الإخوان» في مصر والإدارة الأمريكية؟ كانت إجابته: «ليس لديَّ ما يؤكد أن هذا الحوار قد بدأ فعلاً.. بأفقه الجديد، الذي دعت إليه «كونداليزا رايس» وقيادات في الاتحاد الأوروبي. لكن ما أستطيع أن أؤكده، أن هناك طريقتين في التفكير – داخل دوائر صنع القرار، بل وداخل مؤسسات التفكير والأبحاث الأمريكية والغربية – الأولى: تحاول أن تبحث في الدستور.. عن مساحة لوجهة نظر إسلامية، تدمج التيار الإسلامي في بنية المجتمع المدني والسياسي. والثانية: تنظر إلى المشكلة من زاوية الجغرافيا السياسية، أو من وجهة نظر غربية محضة.

كان اعتقاده.. أن الحوار المطلوب من «كونداليزا»، ليس استكشاف التيار الإسلامي، وإنما العمل على ضمِّه إلى صفوف السياسة الأمريكية، لا تقبُّله كما هو، بل تطويعه لما تريده مصالحها الاستراتيجية.

في عام (2011) حدث تغير جوهري آخر، حين هبَّت عواصف التغيير. دعا الرئيس الأمريكي الأسبق «باراك أوباما» نظيره المصري «حسني مبارك».. إلى مغادرة منصبه؛ بذريعة لافتة: «إذا كنت تريد انتخاب حكومة لا يهيمن عليها الإخوان، فقد حان وقت التنحي».

قبل أقل من عامين – من ذلك التاريخ – أبدى «أوباما» حرصاً زائداً على وجود ممثلين لـ«الإخوان».. أثناء إلقاء خطاب في جامعة القاهرة.. موجَّه إلى العالم الإسلامي. نظَّمت إدارته حوارات – غير معلنة – مع الجماعة، للوصول إلى تفاهمات استراتيجية.. تضمن المصالح الأمريكية، وتتبع خطاها فى الإقليم، وساعد بالضغوط على وصولها إلى السلطة.

لكنه توصَّل بعد انقضاء تجربة «الإخوان» في السلطة، فيما يشبه النقد المتأخر، كما جاء في مذكراته نصًا: «الفلسفة الأصولية لجماعة الإخوان، تجعلها غير جديرة بالثقة.. كوصي على التعددية الديمقراطية».

نقلاً عن «الشروق»

شارك هذه المقالة