Times of Egypt

الحقوق الرقمية للمواطن

M.Adam
سمير مرقص 

سمير مرقص

(1)

الزمن الرقمي: مرحلة جديدة في تاريخ البشرية

هل من المبكر الحديث عن الحقوق الرقمية للمواطنين؟.. تتراوح الإجابة عن هذا السؤال بين ثلاث وجهات نظر؛ الأولى: ترى أن الإنسانية لم تستطع أن تؤمِّن بعد.. الحقوق الطبيعية والسياسية والمدنية والاقتصادية والثقافية للمواطن/الإنسان، التي تم التوافق عليها عبر المواثيق العالمية الإنسانية من جانب، والوثائق الدستورية الوطنية من جانب آخر. ومن ثم فإنه من السابق لأوانه.. الحديث عن الحقوق الرقمية. 

أما الثانية: فترى أن البشرية – منذ مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين – قد تجاوزت الزمنين ما بعد الصناعي والمعلوماتي؛ إذ باتت بالكلية تعيش مرحلة الزمن الرقمي. وعليه، فإن من حق مواطني هذا الزمن – سواء من ينتمون إلى دول الهناء أو دول الشقاء – أن يدركوا ما هي حقوقهم في الزمن الرقمي. 

إضافة إلى وجهتي النظر السابقتين، هناك ثالثة: تدمج بينهما، تؤكد ضرورة الاستمرار في النضال.. من أجل العمل على ضمان تفعيل الحقوق التاريخية. وفي نفس الوقت، مواكبة ما يستجد من حقوق.. تضاف إلى منظومة الحقوق المواطنية.. في ضوء جديد التحولات المجتمعية. 

وفي هذا المقام، نذكِّر بكتابتنا المبكرة حول منظومة الحقوق المواطنية الجديدة: حق الانشغال بالشأن العام، والحق في السعادة، والحق في التمدن، والحق في العيش في مدينة إنسانية، والمواطنة الخضراء، الحق في التفنن… إلخ. 

تلك الحقوق التي كتبنا عنها في «المصري اليوم» (في عامي 2018 و2019، وقمنا بتجميعها في كتابنا: المواطنة والهوية: جدل النضال والإبداع، دار العين ــ 2024).

(2)

ميلاد الحقوق الرقمية

واليوم – بعد التحول «الطفري» (من طفرة) في المنظومات والتقنيات الرقمية – انتقل العالم فعلياً، ورسمياً، إلى الزمن الرقمي. تلك النقلة التي أتاحت للإنسان/المواطن المعاصر، أن ينطلق في الفضاء الرقمي.. عبر الوسائط الرقمية المتنوعة؛ مكرسةً تفاعلاً اجتماعياً – غير مسبوق تاريخياً – في شتى المجالات، ما فرض حوارات فكرية وسياسية من جهة، وصياغات نصوصية حول ما بات يُعرف في الأدبيات والفضاءات الحقوقية: «بالحقوق الرقمية للمواطنين  Digital Rights for Citizens». 

وتتجاوز الحقوق الرقمية البُعد التقني.. إلى كل ما يتعلق بعلاقة إنسان/مواطن اليوم.. بالزمن الرقمي. إذ تعكس مدى حريته – إنسان/مواطن اليوم- في الانخراط مشاركاً بفاعلية في الفضاء العام الرقمي المستجد دون قيود، أو تفضيلاً للبعض على البعض من حيث؛ أولاً: التمتع بحرية التعبير. وثانياً: إمكانية ممارسة التقنيات الرقمية. وثالثاً: الوصول إلى المعلومات. ورابعاً: حماية الخصوصية الفردية/المواطنية.. بتأمين البيانات الخاصة من الانتهاك والاستغلال والمراقبة، وخامساً: عدم احتكار البعض/القلة.. للقدرات والإمكانيات الرقمية ،على حساب البعض الآخر/الكثرة المواطنية. 

وفي ضوء ما سبق، تم استخلاص تعريف للحقوق الرقمية، نلخصه للقارئ الكريم في الآتي: الحقوق الرقمية هي مجموعة الحقوق والحريات التي تُمكّن الأفراد/المواطنين من الوصول والاستخدام والمشاركة في الفضاء الرقمي بأمان وعدالة وكرامة. 

وعليه، صارت الحقوق الرقمية – بفضل الزمن الرقمي – هدفا للتحقيق والعمل من أجل ذلك، وامتداداً مباشراً للحقوق الاقتصادية/الاجتماعية والسياسية/المدنية والثقافية، التي لم يزل النضال قائماً من أجلها، وإن كان في السياق الرقمي المستجد، والدائم التجدد.

(3)

الحقوق الرقمية والمواطنة

ومنذ انتبه المعنيون بالمسألة الرقمية.. إلى أن هناك تحولات جذرية، قد باتت تطول العالم.. مادياً وفكرياً؛ بفعل المنظومات/التقنيات الرقمية المطردة التطور، ومن ثم على علاقات الإنسان/المواطن.. مع ما حوله على جميع الأصعدة، انطلق النقاش حول كيفية؛ أولاً: تأمين حق الإنسان/المواطن (كل إنسان/مواطن).. في الاستفادة بمنجزات وعوائد الزمن الرقمي. وثانياً: عدم استئثار قلة بهذه المنجزات وتلك العوائد. وثالثاً: عدم توظيف أو حجب البعض للإمكانيات الرقمية المتجددة ضد – أو عن – البعض الآخر. ورابعاً: التقاعس عن سد الفجوة الرقمية بين الدول.. من جهة، وفي داخل الدولة الواحدة.. من جهة أخرى. وخامساً: تعظيم استفادة البشرية من المنظومات الرقمية.. في تحقيق التنمية المستدامة، في كوكب.. يعاني نصف سكانه من الفقر والتهميش والإقصاء بدرجاته. 

ويشار هنا إلى دراسات راهنة، تشرح وتوضح كيف أن الثورة الصناعية الرابعة – وذروة إبداعها منظومة الذكاء الصناعي – قادرة على تعزيز قدرة الفقراء على التمتع بخدمات طبية وتعليمية.. مازالوا محرومين منها، كذلك تعظيم إنتاجية المزارعين الصغار.. في تطوير مزروعاتهم، وزيادة حصيلتها، ورفع قدرتها.. على مواجهة الاختلالات البيئية والمناخية.

(4)

المواطنة الرقمية

الخلاصة: لا تتوقف الحقوق الرقمية.. عند قواعد الاستخدام والوصول؛ أي أنها ليست حقوقاً تتعلق بالبُعد التقني المحض، وإنما تتجاوزها إلى صلب الحياة.. في الزمن الرقمي، ومدى تأمين العدالة والمساواة في الفضاء الرقمي. 

بلغة أخرى، كيف يمكن تحقيق وتفعيل وتعظيم المواطنة الرقمية؟ خاصة مع التزايد المتضاعف لأعداد الفاعلين الرقميين.. عبر الفضاء الرقمي، واحتكار الشركات الاستثمارية – في قطاع الإنتاج الرقمي – التي تحكم قبضتها على براءات الاختراع والخوادم والبيانات.. فيما يصفه الاقتصادي النابه ووزير مالية اليونان «يانيس فاروفاكيس» بـ «الإقطاع الرقمي» الذي – حتماً – سيحول دون تأمين الخدمات الرقمية للفقراء؛ إذ ستقتصر على من لديه القدرة – فقط – على دفع قيمتها. 

وبعد، بات واضحاً للكثيرين مؤخراً.. ضرورة إطلاق حوار حول صياغة عقد اجتماعي جديد، يتناسب وحياة المواطنين في الزمن الرقمي.

نقلاً عن «المصري اليوم»

شارك هذه المقالة