عبدالله عبدالسلام
«هذه الشركة مستعدة للذهاب إلى أقصى مدى.. في الدفاع عن موظفيها، ضد أى اعتداء يتعرضون له». يوميا، كنت أقرأ يوميا تلك العبارة.. على جدران عربات مترو لندن، الذي كنت أستخدمه خلال عملى مراسلاً لصحيفة «الأهرام».. منتصف تسعينيات القرن الماضى. تذكرت التحذير، عندما قرأت قرار وزارة التعليم.. فصل طالب ثانوي بمدرسة في القليوبية عاما دراسياً كاملا، بعد ثبوت تعديه على مدرس.. أمام جميع المدرسين. اعتبرت القرار ردا مطلوبا وضروريا.. على ظاهرة تفشت في مصر عموما – خاصة في المدارس والمستشفيات – وهى الاعتداء على الموظف العام، الذى تُعد كرامته.. امتدادا أصيلاً لكرامة الدولة.
نحن بحاجة إلى مثل هذه الإجراءات الحاسمة، وعدم التراجع عنها – نتيجة تدخلات بعض المسؤولين، حرصا على مستقبل التلاميذ، وغير ذلك من الأسباب الاجتماعية «الواهية» – لكن هل هذا هو كل المراد؟ هل كرامة المُعلم والطبيب والموظف.. تقف عن عقاب من اعتدى عليه، أو حاول الاعتداء؟ الشركة البريطانية لم تتوقف عند ذلك، بل خلقت أيضا بيئة صحية مناسبة.. كى يقوم هؤلاء الموظفون بعملهم على أكمل وجه. قدمت حوافز مادية ومعنوية ورعاية صحية كاملة لهم. واجهت هى – وغيرها – حملات المتطرفين البيض.. ضد بعض الموظفين، لأنهم «مهاجرون أجانب».
قد تشعر وزارة التعليم بالارتياح والسرور، لأن المجتمع أشاد بما فعلته مع الطالب المعتدى، وقد تعتقد وزارات الصحة والتنمية المحلية والتموين وغيرها – ممن يتعامل موظفوها بشكل مباشر مع الجمهور – بالرضا، لأنها ساندت من جرى الاعتداء عليهم. إلا أن الاكتفاء بذلك.. هروب من المسؤولية.
فهؤلاء الموظفون – خاصة المعلمين والأطباء – يعانون ظروفا اجتماعية صعبة للغاية؛ غالبيتهم الكبرى ليسوا أصحاب عيادات أو «سناتر».. للدروس الخصوصية، تُدر أموالا طائلة. نسبة هؤلاء «الكبار».. تعادل تقريبا نسبة المصريين الأكثر ثراء، الذين عندما يراهم البعض يملأون المولات والمطاعم الفاخرة، وينفقون بلا حساب.. يعتقد أن هذه هي مصر.
مصر هى مُعلم مدرسة عبدالمجيد عامر بالقناطر الخيرية، الذي تعرض للاعتداء، وطبيب الامتياز بمستشفى سيد جلال، الذى تعرض مؤخرا للاعتداء.. مما أصابه بعاهة مستديمة. مصر، هى كل موظف يقف نهاية الشهر أمام «الخزنة».. ليقبض مرتبه، الذى «يتبخر» بعد أيام قليلة.
كرامة هؤلاء، ليست فقط.. في الدفاع عنهم ضد من يتنمر بهم ويعتدى عليهم – وهو دفاع مُقدَر ومطلوب – بل في تحسين مستوى معيشتهم، كى يستطيعوا مواجهة غلاء لا يتوقف.. رغم كل الحديث عن تراجع التضخم، وتحسن الوضع الاقتصادي.
تجارب دول عديدة.. كالصين والهند، تشير إلى إقبال غير عادي على الوظائف الحكومية.. يفوق القطاع الخاص؛ نظرا للمزايا المادية، وكذلك المكانة الاجتماعية التي يحصل عليها الموظف العام. أما عندنا، فإن ما يحدث في قطاع الصحة الحكومى، وسعى الأطباء الشباب للهجرة، يؤكد أن الوظيفة العامة.. بـ«عافية». وهذا مؤشر خطير للغاية.
قد يكون هناك خلاف حول عدد الموظفين الإجمالي في الحكومة، لكن الدور الذي يقوم به الموظف – في بناء الدول وتقدمها – لا يجب إغفاله.
الامبراطورية البريطانية لم تقُم فقط على أكتاف الجنود، بل أيضا الموظفين (الخدمة المدنية).
كرامة الموظف لها وجوه كثيرة.
نقلاً عن «المصري اليوم»