عبدالقادر شهيب
عرفنا حالات نفي للأشخاص خارج بلادهم؛ سواء لفترات محددة، أو حتى نهاية العمر. وكان نفي الزعيم أحمد عرابي، ونفي الملك فاروق خارج مصر.. أبرز حالات النفي في تاريخنا المعاصر. لكننا لم نرَ نفي دولة كاملة للخارج.
… هذا ما يمكن أن يحدث، إذا استمر نتانياهو – المدعوم من ترامب – في تنفيذ مخطط تهجير أهل غزة، بعد تدمير مقومات الحياة فيها، والاستيلاء على أراضي الضفة الغربية، وزرعها بالمستوطنات وتهجير أهلها أيضاً.. في الوقت الذي يتوالى فيه اعتراف مزيد من دول العالم بالدولة الفلسطينية، ليصل العدد إلى 157 دولة من بين 193 دولة أعضاء في الأمم المتحدة.
وهكذا في كثير من الدول أعلام الدولة الفلسطينية رفعت خفاقة.. كرمز للدولة الفلسطينية، مع تحوُّل ممثلي السلطة الفلسطينية إلى سفراء لفلسطين فيها. وداخل الأراضي الفلسطينية، تمضي قوات الاحتلال في تنفيذ مخطط التهجير القسري لأهل غزة، والضغط على أهل الضفة.. لبلدان النزوح والهجرة هم أيضاً، وبذلك تفتقد الدولة الفلسطينية – المعلن عنها، والمتواجدة بإعلانها في الخارج – أهم عنصر لها.. وهو الشعب، الذي يرمي نتانياهو – ومعه ترامب – لتحويله إلى مجموعات من اللاجئين، يتوزعون على عدد من الدول العربية والأفريقية. إن علم السياسة يُعرِّف الدولة.. بأنها شعب، يقيم على أرض، وتدير شؤونه حكومة. فكيف ستقام الدولة الفلسطينية.. التي اعترفت بها أغلبية ساحقة من دول العالم الآن.. بلا شعب بعد طرده من أرضه ؟!
وربما لذلك، يقول ترامب إن الاعترافات الأخيرة بالدولة الفلسطينية؛ التي شملت بريطانيا – صاحبة وعد بلفور، الذي أقيمت إسرائيل على أساسه – وفرنسا القطب الأوروبي الآخر.. صاحب العضوية الدائمة في مجلس الأمن.. مجرد كلام!
هل يمكن أن تكون كذلك بالفعل، إذا استمرت دولة الاحتلال في تنفيذ مشروعها الخاص بأهل غزة، ومن بعدهم أهل الضفة، والاستيلاء على أراضي القطاع، وضم الضفة إليها.. كما هددت بذلك، لتمنع مزيداً من الاعترافات بالدولة الفلسطينية؟!
إن هذه الاعترافات – التي ضمَّت دولاً مهمة من غرب أوروبا – هي خطوة مهمة في مسيرة كفاح الفلسطينيين.. للتحرر من الاحتلال العنصري البغيض، والحصول على الاستقلال، وتحقيق حقوقهم المشروعة في دولة مستقلة.
ولكن قيمتها تتآكل، وأهميتها تتراجع.. مع تنفيذ الاحتلال خطط تهجير أهل غزة، ومن بعدهم أهل الضفة الغربية، وتحويلهم إلى لاجئين في دول أخرى.. هذا ما تنبهت لخطره مصر مبكراً جداً، فرفضت التهجير القسري لأهل غزة، لأنه يعني تصفية للقضية الفلسطينية وهدماً للدولة الفلسطينية قبل أن تقوم، بحرمانها من أهم مقوماتها وهو الشعب، ولن يفيد وقتها ارتفاع أعلام فلسطين.. خفاقةً في ربوع العالم، أو تحول ممثلي سلطتها الوطنية إلى سفراء.
ولذلك، يتعيَّن أن تقترن خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بفرض عقوبات على إسرائيل.. من قبل الدول التي اعترفت، إذا لم توقف حربها البشعة ضد أهل غزة، وتكديسهم أمام الحدود المصرية.. تمهيداً لتهجيرهم قسراً. وأن تفتح إسرائيل كل المعابر.. لتقديم المساعدات الإغاثية لهم. وتشرع في الانسحاب من أراضي القطاع، وإذا أيضاً لم تتوقف عن الاستيلاء على أراضي الضفة الغربية، وزرعها بالمستوطنات. وإذا لم توقف اعتداءات المستوطنين الممنهجة.. ضد الفلسطينيين.
هنا يصير للاعتراف بالدولة الفلسطينية جدوى.. لكفاح الفلسطينيين من أجل التحرُّر والاستقلال.
أما بدون ذلك، فستبقى الدولة – التي يحلم بها الفلسطينيون – مجرد دولة في المنفى، لا وجود حقيقياً لها، إذا افتقدت أهم مقوماتها، وهو الشعب الذي يعيش على الأرض، لأنه سيعيش في الشتات!.
نقلاً عن «أخبار اليوم»